التأمل المفيد (٣)

الحلقة الثالثة من سلسلة “كونوا ربانيين”، قال تعالى: {وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}[آل عمران : ٧٩] !!

أبدأ المقال بسؤال: ما الذي تغير على قريش في معتقدهم في الله تعالى بعد دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ؟ ألم يزعموا أنهم يعبدون الله ؟! حتى قال أبو جهل داعيا ربه قبل مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم في المعركة: “اللهم أينا كان أقطع للرحم، وأتانا بما لم نعرف فأَحِنْه الغداة”. وكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله تعالى [في ذلك]: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ} !!  [تفسير ابن جرير (6 /207) وإسناده صحيح] !!

إن الذي تغير على قريش في معتقدهم في الله تعالى بعد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم؛ هو تعريفهم الحق بالله تعالى -بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الجليلة- الذي زعموا أنهم يعبدونه !! 

 والتعريف بالله تعالى لغير المسلمين ليس مكان خلاف بين الدعاة إلى الله تعالى .. لكن الإشكالية عند بعض الدعاة الضعف وعدم الإقبال بجدية وتركيز في الحديث للمسلمين عن معرفة الله تعالى المعرفة الحقة، لظنه أن المسلمين يعرفون الله تعالى -وهذا صحيح- لكنه لا ينتبه إلى أن الكثير من المسلمين قد ضعفت هذه المعرفة لله تعالى في نفوسهم حتى صار بعضهم لا يكسب خيرا بسبب إيمانه الضعيف، ولذا قال الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ}[الأنعام : ١٥٨]، فالآية الكريمة تتحدث عن صنفين من الناس مع قضية الإيمان: غير المسلمين {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ} .. والمسلمين: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} !!

إن التعريف بالله سبحانه وتعالى -بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الجليلة- هو الأصل الدعوي الأول والأكبر، ليس لدعوة غير المسلمين إلى الدخول في دين الله تعالى وحسب !! بل كذلك للمسلمين الذين يحتاجون أن تزداد في نفوسهم هذه المعرفة فينتفعوا بها، ويكسبوا الخير من ورائها !!

ولذلك تجد القرآن الكريم يؤكد على حث المؤمنين أن يزدادوا إيمانا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}[النساء : ١٣٦]، فنعتهم سبحانه بصفة الإيمان ثم أمرهم به فقال (آمِنوا) .. وحثهم في آية أخرى على أن يبلغ بهم الإيمان إلى أن توجل قلوبهم عند ذكره سبحانه، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال : ٢] ، وما الذي سيرفع إيمانهم إذا لم تكن معرفة الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الجليلة ؟!!

في الحلقة القادمة -بإذن الله تعالى- سأستكمل الحديث عن بيان الله تعالى أن التعريف به سبحانه هو الأصل الأصيل في الدعوة إلى الله تعالى !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!