التأمل المفيد (١٠٤)

الحلقة السادسة عشرة من سلسلة الجنة والكعبة .. وتذكير الحجر الأسود لنا بالجنة -كونه منها- مرات عديدة يوميا؛ كلما اتجهنا إلى القبلة؛ في صلاة وغيرها مما شرع لنا ربنا استقبال القبلة له !!

قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم : ١١] !!

يتمنى كثير من المسلمين أن يمتلك بيتا في هذه الدنيا؛ ليضع عن كاهله كابوس رسوم الإيجار التي تقض مضجعه وتؤرقه، وتشغله بالتفكير ليلا ونهارا !!

وبعضهم إذا تملك دارا، أخذت نفسه تتوق لامتلاك آخر، أوسع وأرحب .. وهذا كله مشروع ومحمود، قال صلى الله عليه وسلم: (أربعٌ من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسِع، والجارُ الصالح، والمَرْكَب الهنيء) !!

لكن الأهم من ذلك، سؤال الله تعالى بإلحاح بأن يكرمه بيتا في الجنة، كما قالت أمرأة فرعون رضي الله عنها -{رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}- فلم تنسها لذة الإيمان بالله تعالى؛ قصور فرعون فقط، بل أنستها حتى شدة تعذيب فرعون لها، وصار حلمها الكبير بيتا في الجنة !!

فهلا قام المسلم مناجيا ربه بإلحاح: رباه إني أنام وأستيقظ وأنا أحلم ببيت في الجنة، فيه غرف من فوقها غرف مبنية، تجري من تحته أنواع الأنهار المختلفة، وتحفه جِنان خضراء، فيها من الثمار واللحوم ما تشتهيه نفسي، قال تعالى:   {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} [الطور : ٢٢] !!

قلت هذا للتذكير، فإن الحياة في هذا العصر، قد غلب عليها الجانب المادي، حتى صار البعض من المسلمين لا يذكر الجنة إلا إذا ذُكِّر بها !!

إن التفكير في الجنة يجب أن يتناسب مع عظمة جنة الخلد بالنسبة للدنيا الفانية .. وإن أعظم من يبين لنا هذا التناسب بين الدنيا وجنة الخلد هو ربنا سبحانه وتعالى ورسولنا صلى الله عليه وسلم !!

قال الله تعالى: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة : ٣٨]، متاع الدنيا قليل زائل، ومتاع الآخرة كثير دائم؛ كما قال أهل التفسير !!

وقال صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ)، وبما أن الله تعالى أعطى الكافرين أكثر من شربة الماء؛ فإذن الدنيا لا تعدل عند الله تعالى حتى ولا جناح بعوضة !!

أخيرا: إن ممّا يعين المسلم على أن يديم إلحاحه على ربه ببيت في الجنة؛ ما سنه لنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم حيث قال: (مَن صلَّى اثنتَي عشرةَ ركعةً في يومٍ وليلةٍ؛ بُنِي له بهن بيتٌ في الجنة)، فلا يفتأ المحافظ على السنن الرواتب؛ يذكر أمنيته؛ بيتا في الجنة، كلما صلى سنة راتبة !!

اللهم إنَّا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله تعالى وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) !!