الحلقة العاشرة “الأخيرة” من سلسلة “حاجة البشرية لأشهر الحج المعلومات”، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة : ١٩٧] !!
عندما يهلّ هلال شهر شوال من كل عام؛ تحل على البشرية أشهر الحج المعلومات !!
يوم عرفة ويوم الحج الأكبر وأيام التشريق !!
يا أهل عرفة إنه وادي نعمان، وما أدراكم ما وادي نعمان ؟! .. فإنا قد جئنا للدنيا بعد حشر !! وفي عرفة الحجاج؛ في حشر !! وسنمضي من هذه الدنيا إلى حشر !!
أمّا حشرُنا الأول فكان هنا في عرفة -وادي نعمان- قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ} [الأعراف : ١٧٢]، عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان)، يعني عرفة (فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قِبَلا فقال تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا} الآية – إلى {بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف : 173] .. [السلسلة الصحيحة 1623] !!
في نفس المكان في وادي نعمان -عرفة- يكرم الله تعالى حجاج بيته الحرام، ويحشرهم ليسألوه حاجاتهم ومسائلهم؛ في يوم يباهي بهم سبحانه ملائكته الكرام .. ويعتقهم من النار، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه من النار من يوم عرفة) [أخرجه مسلم (1348)] .. اللهم اجعلنا في هذا اليوم المبارك من عتقائك من النار !!
ثم يذكّرنا سبحانه -في كتابه الكريم- في سُوَر كثيرة بأن نتقيه، لأننا إليه سبحانه سنُحشر .. كما يذكّرنا في معرض الحديث عن الحج بذلك الحشر القادم، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة : ٢٠٣] ..اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا)[مريم : ٨٥] !!
يوم الحج الأكبر !!
نعلم أن كيد الشيطان ضعيف على المؤمنين المتحصنين بذكر الله، كما نعلم في المقابل أن نصوصا شرعية وعبادات قولية وعملية حذرت من مكره وكيده، قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر : ٦] !!
ثم اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل أول أعمال يوم العيد الأكبر ونسكا من أنساكه؛ رمي جمرة العقبة؛ ليكون الرمي أعظم مذكر عملي بعداوة الشيطان الرجيم !! ثم يستمر رمي الجمار يومين للمتعجل وثلاثة أيام للمتأخر؛ لينال المسلم مزيدا من الأجر والقرب إلى الله تعالى .. وزيادة في ترسيخ العداوة للرجيم أعاذنا الله تعالى منه !
لمزيد تفصيل في العداوة الأزلية مع الشيطان الرجيم؛ يُرجع لمقالات عن الشيطان “العدو الأكبر” في مدونة فؤاد قاضي !!
وعلينا ألا نغفل عن التحصن بالأذكار الشرعية الصحيحة لدفعه ودحره، قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس : 4]: “الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوَس، وإذا ذكر الله خنس” !!
شعيرة الحج وذكر الله تعالى على ما رزقنا من بهيمة الأَنْعَام !!
إن من النعم العظيمة التي رزقنا الله تعالى؛ بهيمة الأنعام، حيث قد ملأ الله بها الأرض، نأكل من لحمها ونشرب من لبنها، ونستفيد من أصوافها وأوبارها وأشعارها، جاء ذكرها في كثير من آي الكتاب العزيز، من ذلك: ذكرها عند الحديث عن خلق آدم وزوجه عليهما السلام، مما يدل على أهميتها للناس، قال تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر : ٦] !!
ويأتي الحج مذكرا -كما في آيات سورتي البقرة والحج- بوجوب ذِكر الله تعالى ذكرا كثيرا في أيام معلومات؛ شكرا له على عظيم آلائه، لتعُج الأرض بكلمات التوحيد من كل مسلم على وجهها، وخص من هذه النعم بهيمة الأنعام؛ بأن يُذكر اسم الله تعالى عليها عند ذبحها، قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج : ٣٤]، قال ابن كثير في تفسيره: “يخبر تعالى أنه لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعاً في جميع الملل” !!
ثم يمضي الحجيج في ذكرهم لله تعالى في أيام التشريق؛ التي جعلها الله تعالى أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى .. حتى تغرب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ فينتهي رمي الجمار ويستمر ذكر العزيز الغفّار، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة : ٢٠٠] !!
وأخيرا: فهذا حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم، يخبرنا فيه عن كرم الله تعالى وجوده لحجاج بيت الله الحرام، قال صلى الله عليه وسلم: (فإنَّك إذا خرجتَ من بيتِك تؤُمُّ البيتَ الحرامَ لا تضعُ ناقتُك خفًّا ولا ترفعُه إلَّا كتب اللهُ لك به حسنةً ومحا عنك خطيئةً وأمَّا ركعتاك بعد الطَّوافِ كعِتقِ رقبةٍ وأمَّا وقوفُك عشيَّةَ عرفةَ فإنَّ اللهَ يهبِطُ إلى سماءِ الدُّنيا فيباهي بكم الملائكةَ يقولُ عبادي جاءوني شُعثًا من كلِّ فجٍّ عميقٍ يرجُون جنَّتي فلو كانت ذنوبُكم كعددِ الرَّملِ أو كقطْرِ المطرِ أو كزَبَدِ البحرِ لغفرتُها أفيضوا عبادي مغفورًا لكم ولمن شفعتُم له وأمَّا رميُك الجمارَ فلك بكلِّ حصاةٍ رميْتَها تُكفِّرُ كبيرةً من الموبقاتِ وأمَّا نحرُك فمذخورٌ لك عند ربِّك وأمَّا حِلاقُك رأسَك فلك بكلِّ شعرةٍ حلقتَها حسنةٌ ويُمحَى عنك بها خطيئةٌ وأمَّا طوافُك بالبيتِ بعد ذلك فإنَّك تطوفُ ولا ذنبَ لك ويأتي ملَكٌ حتَّى يضعَ يدَيْه بين كتِفَيْك فيقولُ اعملْ فيما تستقبِلُ فقد غُفِر لك ما مضَى) .. حسنه الألباني [صحيح الترغيب 1112] !!
اللهم اجعل هذا البلد آمنا .. اللهم تقبل من الحجاج حجهم .. واجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!