التأمل المفيد (٨٤)

الحلقة السادسة من سلسلة “حاجة البشرية لأشهر الحج المعلومات”، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة : ١٩٧] !!

عندما يهلّ هلال شهر شوال من كل عام؛ تحل على البشرية أشهر الحج المعلومات !!

عرضت في الحلقة الماضية -بعد توفيق الله تعالى- ما أنعم الله تعالى به من أمن قدري لأم القرى !!
لكن رحمة الله تعالى بالناس اقتضت أن يجعل مكة المكرمة مثلا أعلى حتى في الأمن الشرعي بحفظ ضرورات الإنسان الخمس – الدين، والنفس والعقل، والمال، والعرض- بطريقة عجزت البشرية أن تأتي بأنموذج للأمن كما أراد الله تعالى للبلد الحرام .. وفيما يلي عرض ذلك:

أولاً: حفظ الدين: شرع الله تعالى للمسلمين أينما كانوا شرائع تحفظ لهم دينهم؛ لكن حفظ الدين تميز في البلد الحرام بزيادة وبمثل أعلى عن غيرها من البلاد، فالإيمان يأرز إليها كما تأرز الحية إلى جحرها، كما دل على ذلك النص الشرعي، وفي مكة فقط يمكن للمسلم أن يؤدي الأركان الخمسة جميعا .. قال الحسن رحمه الله: “لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة” [الدر المنثور (3/202)] .. وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تدل على حفظ الدين في مكة بطريقة مُثلى .. فهل هناك مثال أعلى لحفظ الدين ممّا جعله الله تعالى في البلد الحرام ؟!!

ثانياً: حفظ العقل: كما شرع الله تعالى للمسلمين أينما كانوا شرائع تحفظ لهم العقل من التلف والغياب؛ لكن حفظ العقل تميز في البلد الحرام بزيادة وبمثل أعلى عن غيرها من البلاد، فقد تسبب وجود الآيات البينات فيها ومشاعرها المقدسة ليس فقط إلى البعد عن كل ما يغيّب العقل من المحرمات؛ بل توجه العقل فيها إلى التفكر في العظيم سبحانه بما خص البلد الحرام من خصائص عِظام ميزتها عن غيرها من البلاد: قال تعالى:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة : ٩٧]، فالعلم بالله تعالى أصل العلوم كلها، فهو العلم الوحيد الذي يطلب لذاته من بين سائر العلوم، وقد أخبر رب البيت عز وجل بأن تحقيق هذا العلم هو المقصد الأعظم من إيجاد البيت الحرام  .. فهل هناك مثال أعلى لحفظ العقل ممّا جعله الله تعالى في البلد الحرام ؟!!

ثالثاً: حفظ النفس: كما شرع الله تعالى للمسلمين أينما كانوا شرائع تحفظ لهم أنفسهم من التلف والهلاك؛ لكن حفظ النفس تميز في البلد الحرام بزيادة وبمثل أعلى عن غيرها من البلاد .. فمن المعلوم من النصوص الشرعية النهي عن ترويع المسلم في أي مكان، لكن مكة زادت بأن حرّم الله فيها ترويع وتنفير وتخويف حتى الصيد، مما يعني من باب أولى تحريم أذى المسلم لأخيه المسلم .. حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين في الحديث الصحيح شدة حُرمة المسلم، وأنه أشد حرمة من الكعبة المشرفة .. فهل هناك مثال أعلى لحفظ النفس ممّا جعله الله تعالى في البلد الحرام ؟!!

رابعاً: حفظ المال: كما شرع الله تعالى للمسلمين أينما كانوا شرائع تحفظ لهم أموالهم من الضياع والهلاك؛ لكن حفظ المال تميز في البلد الحرام بزيادة وبمثل أعلى عن غيرها من البلاد .. ففي مكة لا يبتعد المسلم عن الربا وغيره من المحرمات فقط؛ بل زاد على ذلك، فهو يرى اللقطة ملقاة أمامه فلا يلتقطها، كما بينت ذلك النصوص الشرعية، والذي يمتنع عن أخذ المال المُلقى؛ فهو من باب أولى لن يسرق المال أو يأكله بالحرام .. فهل هناك مثال أعلى لحفظ المال ممّا جعله الله تعالى في البلد الحرام ؟!!

خامساً: حفظ العرض: كما شرع الله تعالى للمسلمين أينما كانوا شرائع تحفظ لهم أعراضهم من الفاحشة والانحطاط واختلاط الأنساب؛ لكن حفظ العرض تميز في البلد الحرام بزيادة وبمثل أعلى عن غيرها من البلاد .. ففي مكة لا يبتعد المسلم عن الفاحشة فقط؛ بل إنه يراعي الله في عدم النظر للنساء الأجنبيات عليه؛ يطفن معه ويرمين الجمار، فيغض بصره عند البيت مستسلماً لله الذي شرع للنساء أن يطفن مع الرجال، وغضه للبصر في وجود النساء قمة في العفاف .. فهل هناك مثال أعلى لحفظ العرض ممّا جعله الله تعالى في البلد الحرام ؟!!

وهكذا حفِظ الله تعالى مجتمع البلد الحرام؛ بأمنه المُمّيز؛ ليكون هدى لمجتمعات الأرض قاطبة، ولذلك خاطب سبحانه كفار قريش لينظروا إلى أمن مكة، لعلهم يعقلون؛ فيستسلموا له سبحانه وينعموا بسعادة الدنيا والإخرة، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت : ٦٧] !!

اللهم اجعل هذا البلد آمنا !!

نواصل في الحلقة القادمة من هذه السلسة  -بإذن الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن أشهر الحج المعلومات !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!