التأمل المفيد (٨٢)

الحلقة الرابعة من سلسلة “حاجة البشرية لأشهر الحج المعلومات”، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [البقرة : ١٩٧] !!

عندما يهلّ هلال شهر شوال من كل عام؛ تحل على البشرية أشهر الحج المعلومات !!

الدعوة إلى التوحيد بالقول والعمل هو أكبر شعار يرفعه حجاج بيت الله الحرام منذ بدء توافدهم بدخول أشهر الحج المعلومات؛ وحتى يوم الحج الأكبر !!

لكن العجيب في هذا الركن العظيم من أركان الإسلام -الحج- أن يُوجه كل مسلم -حتى من لم يحج- ليشارك هو كذلك في الأيام العشر الأُوَل من ذي الحجة برفع شعار الدعوة إلى التوحيد !!

أقول لمحبي الدعوة إلى الله تعالى ونشر التوحيد في الأرض؛ الذين يتألمون من سماع أن دولة في أوروبا تمنع الحجاب بغضا لشريعة الإسلام؛ أو غير ذلك من إجراءات تعادي الدين الحق في بلدان أخرى؛ ويتمنى هؤلاء الدعاة والداعيات لو تمكنوا من دفع مئات منهم في أصقاع الأرض لبيان محاسن الإسلام، أقول لهم: أبشروا بانطلاق مئات الملايين من المراكز الدعوية في كافة بقاع الأرض بقرابة ملياري داعية؛ وليس المئات فقط؛ يدعون إلى الله تعالى في موسم الحج من كل عام؛ بشتى أنواع العمل الصالح لحظة دخول شهر ذي الحجة .. في أيام يفضُل فيها العمل الصالح على الجهاد في سبيل الله تعالى !!

ولتقريب المعنى : لو أننا شيدنا مركزا إسلاميا في دولة غير مسلمة؛ يعمل فيه ثلاثة من الدعاة فقط، وبدأ المركز بالعمل، لوجدنا له أثرا طيبا في التعريف بالاسلام، فكيف عساه يكون أثر بيوت قرابة ملياري مسلم منتشرين في كل بلدان الأرض، ينقلب كل بيت منها إلى مركز دعوي لحظة دخول شهر ذي الحجة؛ يكبر أفراده الله تعالى في البيت وخارجه، ويجتهدون بالأعمال الصالحة التي يوفقهم الله لها في أيام العشر من ذي الحجة ؟! قال صلى الله عليه وسلم لكل مسلم -وليس للحجاج فقط-: (ما العمل في أيام أفضل من العمل في هذه، قالوا: ولا الجهاد، قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء)  [رواه البخاري (969)] !!

ألا ما أعظمك من إله ! وما أكملك من دين ! وما أجلك من ركن ! وما أفضلك من أيام ! نعم .. إنه المنهج الدعوي الرباني الذي يتمثل في دفع كل مسلم -خلال عشر ذي الحجة- ليدعو إلى الله تعالى بالقدوة الحسنة، فيرى العالم فيه عقيدة الإسلام وعباداته وتعاملاته بطريقة مهيبة، شملت مئات الملايين من بيوت المسلمين، في شهر حرام ينخفض فيه معدل الوقوع في المخالفات الشرعية تعظيما لحرمته، وتكثر فيه الأعمال الصالحة لكونها أفضل فيه من الجهاد في سبيل الله تعالى !!

إن المسلمين في الأرض قاطبة يؤول حالهم خلال الأيام العشر من ذي الحجة إلى:

الصنف الأول حُجّاج: بضعة ملايين، وهم وفد الله من جميع الناس – كما قال ابن عباس رضي الله عنه – إذ وفقهم الله تعالى لأعظم عمل صالح خلال أيام العشر من ذي الحجة؛ وهو حج بيت الله تعالى في البلد الحرام الآمن الطاهر؛ ليكون العمل بالتوحيد ونشره هو الهدف الأسمى لشعيرة الحج، وليكون للتلبية دورٌ إعلاميٌ كبيرٌ في نشر كلمة التوحيد، قال صلى الله عليه وسلم حينما سُئِل أي العمل أفضل ؟ قال: (العج، والثج) حسنه الألباني [السلسلة الصحيحة (1500)]، العج: رفع الصوت بالتلبية، وليعكس تواجد مئات الألوف من الرجال والنساء معا أثناء الطواف والسعي وعند رمي الجمار وفِي المشاعر أنموذجا أعلى للبشرية في الأمن والطهر والعفاف؛ في زمن أضحى فيه عدم الاحتشام وبغض الحجاب -بل العري والشذوذ الجنسي- ديدن كثير ممّن لا خلاق لهم من غير المسلمين، لعلهم بسماعهم ومشاهدتهم للحجاج ينجذبون إلى ذلك الأنموذج الآمن .. مجتمع البلد الحرام المميز، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت : ٦٧]، فيسلمون له سبحانه، ويخلعون الشرك الذي ينتفي معه الأمن، قال تعالى عن الأمن: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام : ٨٢] !!

الصنف الثاني غير الحجاج: قرابة ملياري مسلم !! على كل واحد منهم أن يعي أن ما يقوم به في بلده هو وأهل بيته -خلال أفضل أيام الدنيا، العشر الأُوَل من ذي الحجة، من التكبير والتهليل وتلاوة القرآن ونحر الأضاحي، ونفع الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس)صححه الألباني [السلسلة الصحيحة (906)]، وشتى أنواع العمل الصالح- إنما هو جمع بين العبادة والدعوة إلى الدين الحق، سواء كان يعيش في بلد مسلم أو غير مسلم ؛ فيزداد حماسا في إظهار محاسن الإسلام لِعظم الأجر في أيام العشر !!

وأخيرا: فليعلم العالم كله؛ الذي يسمع ويرى سنويا هذا الحِراك الكبير للمسلمين في أشهر الحج المعلومات؛ أن استمرار هذه الشعيرة العظيمة -حج بيت الله الحرام، وما يحوطه من تعظيم لعشر ذي الحجة، أفضل أيام الدنيا، من أعمال صالحة من قِبَل كافة المسلمين- قد جعله الله أمانا من قيام الساعة على الناس، لما في الحج من استمرار لإقامة التوحيد والدعوة إليه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2430) !!

اللهم اجعل هذا البلد آمنا !!

نواصل في الحلقة القادمة من هذه السلسة  -بإذن الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن أشهر الحج المعلومات !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!