الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة “شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات”، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : ٣١] !!
أستمر -بتوفيق الله تعالى- في طرح بعض الواجبات المنسية التي لا يتوب بعض الناس من تركها !!
من الواجبات المنسية عند البعض: تنشئة أبنائهم وتربيتهم التربية الدينية؛ التي تعمق فيهم حب هذا الدين وحب التمسك به وحب الدعوة إليه .. حيث إن الدعوة للإسلام هي عمل أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف : ١٠٨]، قال أهل التفسير: “قل لهم -أيها الرسول-: هذه طريقتي، أدعو إلى عبادة الله وحده، على حجة من الله ويقين، أنا ومن اقتدى بي، وأنزِّه الله سبحانه وتعالى عن الشركاء، ولستُ من المشركين مع الله غيره” !!
صحيح أن هذا البعض -المقصر في تنشئة أبنائه تنشئة دينية تعمق في نفوسهم حب دينهم وحب الدعوة إليه- لا يقصر في تعليمهم الصلاة ومتابعتهم في أدائها !! لكن المشكلة تكمن في اقتصاره على الأمر بالصلاة؛ وانقطاعه عن العناية بالروافد الإيمانية الأخرى التي تحمي ابنه -يوما ما- من التقصير حتى في أداء صلاته؛ خاصة في هذا العصر المخيف !! ولذا بين لنا القرآن؛ على لسان رسل الله عليهم الصلاة والسلام؛ اهتمامهم بالصلاة، واهتمامهم بأن تكون ذرياتهم ممن تحب الدين والدعوة إليه؛ بل والإمامة فيه !!من ذلك رغبة خليل الله إبراهيم عليه السلام -الذي دعا لذريته بأن يقيموا الصلاة- في أن يخرج من ذريته أئمة في الدين، قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي} [البقرة : ١٢٤] !!
والعجيب أن للعسكريين مقولة تؤكد على ضرورة أن يتبنى الجيش مبدأ الهجوم؛ ليضمن عدم اختراق العدو لدفاعاته: “أفضل وسيلة للدفاع؛ الهجوم” !! وكأن العسكر قد فقهوا تطلع إبراهيم عليه السلام لأن يكون من ذريته أئمة في الدين !!
وعليه إذا تطلع المسلم لنفسه وَذُرِّيَّتِهِ أن يكونوا دعاة إلى الله تعالى؛ فإنه يرجو بذلك -بعد توفيق الله تعالى- الثبات في عباداتهم وسائر أعمالهم الصالحة !!
والنصوص في هذا السياق كثيرة، من ذلك: أننا أُمِرنا بأن نؤمن كما آمن الرسل عليهم السلام !! ومعروف أن إيمان الرسل عليهم السلام؛ إيمان عظيم، يرسخ به حب الدين وحب الدعوة إليه، قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة : ١٣٦] !!
لكن المصيبة كل المصيبة أن زاد بعض المقصرين في تنشئة أبنائهم وتربيتهم التربية الدينية -التي تعمق فيهم حب هذا الدين وحب التمسك به والدعوة إليه- زادوا على ذلك بأن قدموا لأبنائهم -بدون تمييز بين النافع والضار – كل ما يرسخ لديهم الانبهار بالجانب المادي والاستهلاك غير المسؤول لما يقذفه فكر ومصانع الغرب من منتجات تتعامل مع جسد الإنسان !! في حين تغفل هذه المنتجات قصدا؛ روحه وعبوديته لله تعالى؛ ليصبح عبدا لملذاته وشهواته !!
وقد يقول قائل: إن الهداية للاستقامة وحب الدين وحب الدعوة إليه أمر يتفضل الله به على من يشاء من عباده؛ فهذا نوح عليه السلام لم يقدر على هداية ابنه إلى التوحيد؛ وهو من أولي العزم من الرسل !! فأقول نعم الهادي هو الله تعالى .. لكننا مأمورون بالعمل على تربيتهم التربية الصحيحة والدعاء لهم؛ ثم الله عليهم وكيل، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} [الزمر : ٤١] !!
ولنا أن نتصور بعد ذلك ضخامة الأثر الإيجابي جراء توبة البعض من التقصير في تنشئة أبنائهم وتربيتهم التربية الدينية، التي تعمق فيهم حب هذا الدين وحب التمسك به وحب الدعوة إليه؛ لا شك سيكون أثره عظيما وكبيرا، ومرضيا لله تعالى، ومستنزلا لرحمته ونصره وتأييده للمسلمين، قال تعالى في نُصرة هذا الدين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد : ٧]، ونصر المؤمنين لله تعالى يكون بنصر دينه؛ كما أجمع على ذلك المفسرون !!
اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين !!
نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!