التأمل المفيد (٧٣)

الحلقة الثانية عشرة من سلسلة “شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات”، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : ٣١] !!

أستمر -بتوفيق الله تعالى- في طرح بعض الواجبات المنسية التي لا يتوب بعض الناس من تركها، وبعض المنهيات المنسية التي لا يتوب بعض الناس من فعلها !!

من الواجبات المنسية عند البعض؛ عدم مراعاة اختلاف هذا العصر عن زمن القرون الأولى المفضلة؛ عند دعوتهم الغافلين من أبناء المسلمين إلى التمسك بدينهم العظيم !! وكأنما القرآن الكريم والسنة المطهرة قد خلتا من علاج أمراض هذا العصر الخطيرة؛ وعلى رأسها يأتي الانبهار المذموم -وليس الحميد-  بالحضارة المادية المعاصرة !!

إن من طبيعة البشر الانبهار بالأمور العظيمة في شكلها أو عملها !! فليس غريباً أن ينبهر أحدنا بتشييد برج عال، أو ما يسمى بناطحة سحاب؛ طولها ميل في السماء، إذا ما قارنها ببيوت متواضعه من الطين أو الأكواخ؛ كانت سكناً للناس في ماضي الزمان؛ لا تعلو عن الأرض سوى بضعة أمتار .. لكن في المقابل أين تعظيم هذا البعض وانبهارهم بمن رفع السماوات بغير عمد، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد : ٢] ؟؟!!

المشكلة إذن ليست في أصل الانبهار، فقد يعجب الإنسان بأمر مدهش مفيد؛ لا يؤثر على قيمه ومبادئه الصحيحة !! فإعمار الأرض بما ينفع الناس مطلوب .. إنما المشكلة في الإعجاب والانبهار الذي يتبعه تبديل القيم الصحيحة إلى ضدها !!

وحتى لا ينبهر الناس في أي زمان -خصوصا في عصرنا هذا- بالجانب المادي من أي حضارة؛ أوضح لنا القرآن الكريم سذاجة وبطلان منطق من يرفض القيم الصحيحة -وعلى رأسها توحيد الله تعالى وعبادته- نظرا لتقدمه المادي وسبقه فيه، قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم : ٧٣]، فما دخل توحيد الله وعبادته؛ أن ترفضه لأن فرشك الذي تنام عليه وثير !! ومجلسك الذي تستقبل فيه ضيوفك عظيم -كما أشارت الآية الكريمة- ؟؟!!

فكيف عساه يكون رفض عبادة الله وتوحيده ممّن يرى في هذا العصر أنه قادر بالعلم على عمل كل شيء، قال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس : ٢٤]، لأنّه إذا اغتر الناس بدنياهم وزخرفها؛ ولم يفروا إلى ربهم؛ ورفضوا التمييز بين الخبيث والطيب؛ يأتيها عذاب الله تعالى ليلا أو نهارا؛ ويجعلها حصيدا، ويفنيها بعلومها المادية كأن هذه العلوم لم تكن موجودة بالأمس ؟؟!!

ولنا أن نتصور بعد ذلك ضخامة الأثر الإيجابي جراء التوبة من التقصير في علاج الانبهار الواقع على المسلمين على أثر الحضارة المادية المعاصرة، وكم ستمنح هذه التوبة من فهم سليم لقضية التوحيد وعبادة الله تعالى مقابل ما يقوم به الإنسان من إبداعات مادية تسهل وتيسر له حياته في هذه الحياة الدنيا، وأنه لا تعارض بينهما إلا عند الذين لا يعقلون ؟؟!!

اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!