التأمل المفيد (٦٩)

الحلقة الثامنة من سلسلة “شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات”، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : ٣١] !!

استمر -بتوفيق الله تعالى- في طرح بعض الواجبات المنسية التي لا يتوب الناس من تركها، وبعض المنهيات المنسية التي لا يتوب الناس من فعلها !!

لا يتوب كثير من المسلمين من التقصير في فهم الإخلاص وفق منهج السلف الصالح !! فقد جعل هذا البعض من الإخلاص -الذي هو من أكبر دوافع العمل الصالح- جعلوه بسبب الفهم القاصر سبباً لإعاقة المسلم عن فعل الأعمال الصالحة !! فالبعض لا يورد -حينما يتحدث عن موضوع الإخلاص- سوى الحديث عن النية الصالحة، ويتجاهل الحديث عن العمل وأهميته !! مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بينهما في الحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات … الحديث) [رواه البخاري (1)].، ليبين صلى الله عليه وسلم أهمية وجود العمل، وأن مدار قبوله وجود النية الصالحة !! فأمّا إذا شح بعض أفراد الأمة؛ وبعض مجتمعاتها بالعمل الصالح؛ فهنا لا تنحصر المشكلة في النية وإخلاصها فقط !!

فكيف إذا تعدت الأمور عند البعض من الشح في تقديم العمل الصالح؛ إلى مخالفة هدي الإسلام بهجر المساجد والتكالب على الدنيا وتقليد أصحاب الجحيم من المغضوب عليهم والضالين؛ في كثير من تعاملاتهم ؟؟!! 

وحين يصل الأمر إلى هذه المستويات الضعيفة من متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ عندها ندرك أهمية الحديث عن الإخلاص على منهج السلف الصالح، حيث المتابعة لمنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم قسيم الإخلاص !!

إن الذين لا يعملون الصالحات في هذا العصر من المسلمين؛ لم يشحوا بها بسبب الفاقة وعدم القدرة وضعف الإمكانيات؛ كما حصل للبكائين من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؛ حيث لم يجدوا الراحلة لفقرهم، قال تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ • وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ • إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُون} [التوبة : ٩١-٩٣] !!

إن الذين لا يعملون الصالحات في هذا العصر من المسلمين إنما شابهوا من قال تعالى فيهم: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} !!

ولذلك حين علم الله تعالى صدق نيات البكائين من الصحابة رضوان الله عليهم؛ كتب لهم أجر نياتهم كما لو كانت أعمالا قدموها، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ وَفِي روايَةِ: إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر)[رواه البخاري (4161)] !!

ولنا أن نتصور ضخامة الأثر جراء التوبة من القصور في فهم الإخلاص وفق منهج السلف الصالح، وأنه لابد مع الإخلاص من تقديم للعمل الصالح -سواء كان العمل الصالح عبادة أو تعاملا أو بذلا لخدمة دينهم- لا شك أنه سيدفع الأمة نحو النهوض والسيادة والريادة؛ على النحو الذى علا به سلفنا الصالح وسادوا وقادوا الأمم !!

اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!