الحلقة الخامسة من سلسلة “شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات”، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : ٣١] !!
يتنافس قرابة ملياري مسلم على كل ما يرضي الله تعالى من أعمال وأقوال صالحة في عشر ذي الحجة -أفضل أيام الدنيا- وستكون التوبة إلى الله تعالى من أولى تلك الأعمال الجليلة التي يبادرون إليها !! ذلك أن الله تعالى قد خص التوبة بعوامل التشويق والجاذبية، وجعل لها أبوابا كثيرة مفتوحة، وفيما يلي تفصيل لهذه المحفزات:
التوبة تجلب الخيرات؛ كنزول الغيث ومنح القوة بصورها المختلفة، سواء قوة في الأبدان أو بكثرة المال أو غير ذلك من مظاهر القوة، قال تعالى -حاكيا قول هود عليه السلام لقومه- {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ} [هود : ٥٢]، فياله من إغراء وتشجيع لأصحاب المعاصي والأخطاء حتى يلجوا باب التوبة العظيم وينالوا كل هذه العطايا من الكريم الوهاب الذي لا يخلف الميعاد !! وسينجح هؤلاء التائبون نجاحاً باهراً، حيث قد جمعوا بين التوجه نحو الوجهة الصحيحة، وما منحهم الله تعالى من موارد جديدة كالقوة ونزول المطر؛ اللذان هما من عناصر النجاح للعمل وزيادة الإنتاج بعد توفيق الله تعالى !!
ومن المحفزات: غفران الذنوب جميعها مهما بلغ عددها وعظم جرمها؛ إذا استغفر صاحبها وتاب منها، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر : ٥٣]، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: (يا ابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أُبالي ، يا ابن آدم ، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً ، لأتيتك بها مغفرة)صححه السيوطي [الجامع الصغير (6047)] !! وهل بعد هذا الكرم من كرم !! لكنها التوبة التي يعلم الله سبحانه وتعالى ويعلم رسوله صلى الله عليه وسلم شدة حاجة البشرية إليها، ليستمر العمل والتصحيح في شتى مناحي الحياة، وليتم استخراج الإبداعات المخزونة في رؤوس الكثير؛ ممن أثقلتهم الأخطاء فقعدوا وأصبحوا كالماء الذي لا يجري؛ فيأسن ويعيب !!
ومن محفزات التوبة: مد فترة قبولها على امتداد عمر الإنسان، ما لم يغرغر, ففي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) [صححه السيوطي في الجامع الصغير (1915)] !! ألا ما أكرمك يا ألله وما أرحمك وما أحكمك !! ففي مد فرصة التوبة طيلة فترة حياة الإنسان؛ دفع للعمل والتصحيح والتطوير إلى آخر لحظة في حياته، فهل ستجد البشرية منهجا أعظم من هذا المنهج؛ الذي يحث على العمل وتصحيح العمل ؟؟!! لقد اعتنى الغرب بالعمل وتصحيح العمل، فأنجزوا إنجازات جبارة في عالم المادة، هذا وهم كفار لا يملكون مقومات السعادة الحقيقية، بل قد يعمل أحدهم ثمان ساعات كاملة ومليئة بالانتاج، ثم يشرب الخمر ويغّيب عقله في نفس اليوم لساعات قد تساوي ساعات دوامه !! فكيف ستكون إنجازات المسلم السوي الذي يعرف مقومات السعادة في هذه الدنيا، كيف ستكون إنجازاته لو صحح أخطاء أعماله بتطبيقه منهج التوبة الرباني ؟؟!! إذن لرأيت قفزات في العمل والإبداع والتطوير؛ يشابه ذلك النجاح الخارق الذي حققه الرعيل الأول مع رسول صلى الله عليه وسلم !!
ومن المحفزات العظيمة للتوبة: نزول الرب سبحانه و تعالى إلى السماء الدنيا كل يوم في ثلث الليل الآخر، ليغفر للمستغفرين ويتوب على التائبين، ففي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له) [متفق عليه] !! سبحانك يا ألله، ما عبدناك حق عبادتك وما ذكرناك حق ذكرك وما شكرناك حق شكرك !! ينزل ربنا سبحانه وتعالى؛ نزولا يليق بجلاله، ليحث عباده على تصحيح الأعمال، لتستمر حركة البشرية وتقدمها في الاتجاه الصحيح !!
اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين !!
نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!