الحلقة الرابعة من سلسلة “شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات”، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور : ٣١] !!
لو تأملنا كيف عظّم الإسلام من أمر العمل؛ لعرفنا سبب هذا الإلحاح المتواصل من التوبة لنا على مدى الحياة لنصحح أخطاءنا بتقديم عمل آخر صحيح !!
والمدهش في شمولية التوبة في الإسلام أنها تعد أخطاءنا حتى في القتال؛ عند التقاء الصفوف -وليس فقط بارتكاب الفاحشة أو أكل الربا- تعدها فشلاً، قال تعالى في الحديث عن غزوة أحد: {حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ} [آل عمران : ١٥٢] .. والشاهد هنا هو العفو عنهم، فعد سبحانه الخطأ في تنفيذ أوامر عسكرية ذنبا !! وهكذا نجد أن العفو وقبول التوبة من الفشل حتى في القتال، هو طريق الإسلام في تصحيح الأعمال من خلال عبادة التوبة العظيمة .. لينهض الفرد وتنهض المجتمعات !!
نعود إلى تعظيم الإسلام للعمل، فمن ذلك أن جعله سبباً لدخول الجنة، قال تعالى: {أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف : ١٤] !! وإذا كانوا يعملون لدخول الجنة -وهم ليسوا معصومين- فسيقعون في أخطاء خلال أداء هذه الأعمال؛ فيتوبون من الخطأ بتصحيحه بعمل أصح وأفضل وأكمل، وهكذا دواليك .. لينهض الفرد وتنهض المجتمعات !!
ومن تعظيم الإسلام للعمل كذلك أن جعل تركه موجباً للمساءلة والعذاب، بل وحتى الخلود في النار، كمن مات من المسلمين وهو تارك للصلاة بالكلية، قال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) صححه السيوطي [الجامع الصغير (5722)] !! فتأتي التوبة لتلح على تارك الصلاة بتصحيح المسار والعودة لأداء الأعمال التي ترضي الله تعالى؛ وعلى رأسها الصلاة .. لينهض الفرد وتنهض المجتمعات !!
ومن تعظيم الإسلام للعمل أن الله تعالى يقيّمنا على أساس أعمالنا وما في قلوبنا، قال صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم)[رواه مسلم (34)].. ولا شك أن الذي عرف أن الله تعالى ينظر إلى قلبه وعمله؛ سيندفع للعمل، وقد يخطئ .. فتأتي التوبة لتلح عليه بتصحيح المسار .. لينهض الفرد وتنهض المجتمعات !!
وعظّم الإسلام العمل كذلك بالوعد باستخلاف الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الأرض، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}[النور : ٥٥] .. ولا شك أن هذا الوعد من الله تعالى يتطلب أعمالا عظيمة وجهودا جسيمة .. وقد يخطئ المؤمنون وهم سائرون في نصر الله تعالى ونصر دينه .. فتأتي التوبة لتلح عليهم بتصحيح المسار .. لينهض الفرد وتنهض المجتمعات !!
ما مر معنا من أدلة في باب تعظيم الإسلام للعمل ما هو إلا غيض من فيض !! ولو تعرفنا إلى كل ما هو مطلوب منا تحقيقه؛ لوجدنا دليلا من الكتاب والسنة يعظمانها ويحثان عليها .. وهذه الأعمال المطلوبة يقوم بها أهل الإسلام -وهم ليسوا معصومين- فتقع بعض الأخطاء، لتأتي التوبة تلح عليهم بتصحيح المسار .. لينهض الفرد وتنهض المجتمعات !!
وهكذا يكون للتوبة أثر كبير وعظيم على نهضة الأفراد والمجتمعات، قال ابن القيم: “وأكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها، فضلا عن القيام بها علما وعملا وحالا، ولم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا وهم خواص الخلق لديه. ولولا أن التوبة اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان لم يكن الرب تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم، فجميع ما يتكلم فيه الناس من المقامات والأحوال هو تفاصيل التوبة وآثارها”.[مدارج السالكين ج1 ص313-314] !!
اللهم اجعلنا من التوابين ومن المتطهرين !!
نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن شمولية التوبة وأثرها الكبير في نهضة الأفراد والمجتمعات !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!