التأمل المفيد (٥١)

الحلقة العاشرة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!

مما تفرد به علم الإدارة في الإسلام: نظام الحسبة !!

قفزت إدارة الجودة بالعمل الإداري في هذا العصر قفزة كبيرة .. وطار حديث الإداريين عنها يملأ أجواء المنظمات والشركات !!

وفَرَحُ الإداريين من غير المسلمين بموضوع الجودة ليس غريبا، ولا غبار عليه !! فقد كانوا قبل أقل من قرنين يعيشون ظلمات بعضها فوق بعض؛ ليس بشركهم بالله تعالى فقط !! بل بجهلهم حتى بالعلوم المادية؛ في وقت ازدهرت فيه حضارة الإسلام العظيمة شرقا وغربا !!

لكن الغريب أن يغيب عن أبناء الأمة المسلمة إدراك عظمة نظام الحسبة الإسلامي؛ الذي لا تعدو الجودة -التي يتحدث عنها الإداريون من غير المسلمين في هذا العصر- سوى فرعا من شمولية هذا النظام العظيم في ضرورة إتقان المسلم لعمله في جوانب الحياة كلها !!

نظام الحسبة الإسلامي العظيم يتفرد أولا: بأن الآمر به هو خالق البشر تعالى؛ وليس رئيس مجلس إدارة الشركة أو المؤسسة !! قال تعالى: {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : ١١٢]، وقال تعالى:  {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران : ١٠٤]، فالحسبة هي: إحسان العمل وإتقانه؛ بالأمر بالمعروف المتعلق بإنجاز العمل المشروع، وبالنهي عن المنكر المتعلق بالإخلال بإنجاز العمل المشروع !!

والأمر الثاني؛ وهو الذي عجز كثير من الناس عن فهمه: هو أن نظام الحسبة الإسلامي غطى كل نشاطات البشر قاطبة، وليس فقط إدارة المؤسسات والشركات؛ التي تدر بنجاحها المال الحلال الكثير !!
وبمثال بسيط يتبين ذلك: أليس المجتمع يحتاج إلى المحافظة على قيمة الأمن ؟؟!! فمن الذي يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليخلو المجتمع من أنواع الجريمة المختلفة؛ حتى تنجح مؤسسات المجتمع المتنوعة الكثيرة بالتطور والازدهار في بيئة ومجتمع آمن ؟؟!! إنهم لا شك رجال الشرطة العظماء الأوفياء المخلصون !!

وقل مثل هذا في كل مؤسسات المجتمع الإسلامي؛ الأسرة، المدرسة، السوق، الشركات والمؤسسات والوزارات !! كل مؤسسات المجتمع المسلم تحتاج إلى نظام للحسبة في داخلها !!

أورد الأستاذ عبدالقادر بن فالح الحجيري السلمي في بحثه “الحسبة في الإسلام”: (نبذه عن تاريخ الحسبة: إن أول من مارس الحسبة في التاريخ الإسلامي هو رسول الله صلى الله علية وسلم فكان يمشي في الأسواق وينهى عن الغش والتطفيف في الكيل والوزن، وسار على دربه أصحابه وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، وعندما توسعت رقعة الدولة الإسلامية صار يتوجب على ولاة أمور المسلمين تعيين من يروه أهلاً للقيام بالحسبة ويمدونه بما يحتاج إليه من الأعوان والوسائل اللازمة لذلك) انتهى !!

ولعل فهما خاطئا وقع في العقود المتأخرة؛ جعل البعض يظن أن نظام الحسبة في الإسلام يقتصر على إنكار المخالفات الأخلاقية من تبرج وسفور وغيره !! لكن القيم لا تتجزأ !! ومنظومة القيم في الإسلام قد شملت كل أنشطة الأفراد والمجتمعات !! وإذا كان غير المسلمين قد صمّموا لأنفسهم إدارة الجودة ليحوزوا السبق في تحقيق النجاحات في الجانب المادي من الحياة !! فإن نظام الحسبة الرباني في الإسلام كافل وضامن لنجاح الأفراد والمجتمعات في جانبي الحياة ؛ المعنوي والحسي، وبالفوز والفلاح في الدنيا والآخرة !!

نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!