الحلقة التاسعة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!
نستكمل الحديث في هذه الحلقة -بعون الله تعالى وتوفيقه- عن تفرد علم الإدارة في الإسلام بتشريع نظام للوقاية؛ يحفظ للفرد والمجتمعات ضرورات لا تقوم حياة الإنسان السوية إلا بها !!
علاوة على التشريعات التي شرعها الله تعالى لحفظ دين الإنسان ونفسه وعقله وماله وعرضه -التي عرضت لأمثلة منها في الحلقة الماضية- فإن نظام الوقاية الرباني تفرد كذلك بحفظ هذه الضرورات الخمس؛ بطريقة لا يمكن للبشر الوصول لمعرفتها؛ إلا من جهة من يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير !!
أولا: حفظ الله تعالى للدين بوعد منه سبحانه .. لم يكتف الإسلام بحفظ الدين عن طريق إقامته وانقياد المؤمنين لمنهجه ظاهرا وباطنا، بل تكفل تعالى بحفظ كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم المطهرة وبيته الحرام، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : ٩] !! وقال صلى الله عليه وسلم: (ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا)[رواه مسلم (1252)]، وفي هذا دليل على حفظ الله تعالى للكعبة -التي هي هدى للعالمين- إلى آخر الزمان !!
حفظ الدين يعني أن معتنقيه سيديرون حياتهم وينجزون أعمالهم بأفضل وأكفأ ما يتطلع إليه البشر من طرق الإدارة والتدبير !!
ثانيا: حفظ النفس: لم يكتف الإسلام بحفظ النفس عن طريق تحريم سفكها وتحريم إيقاع الأذى بها، وضرورة الأخذ بالأسباب لعلاجها عند مرضها، بل بين لنا سبحانه عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم عن أسباب؛ لا يعلم بفائدتها لحفظ النفس إلا علام الغيوب !! منها مجموعة الأذكار اللفظية الشرعية التي نتحصن بها في الصباح والمساء !! ومنها بعض الأعمال التي نتقي بعملها بعض الشرور، كقوله صلى الله عليه وسلم: (من أكل حين يصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر )[صحيح البخاري] !!
حفظ النفس وسلامتها من الأذى ومن الأمراض والمعوقات مجال مهم وعظيم يمكّن الأفراد والمجتمعات من النهوض بأداء الأعمال المطلوبة على أكمل وجه !!
ثالثا: حفظ العقل: لم يكتف الإسلام بحفظ العقل عن طريق تحريم ما يتلفه من المفترات والمسكرات، بل بين لنا سبحانه الدور الأعظم للعقل الذي يغفل عنه الغافلون .. جعله وسيلة لتزكية النفس بالتفكر في آيات الله تعالى في كتابه المقروء وفي كتاب الكون المفتوح، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة : ١٦٤] !!
عند العقلاء الذين يتفكرون في عظمة الله تعالى؛ تطيب الحياة وتهنأ !! وهل يتطلع البشر إلا إلى حياة هانئة في الدنيا؛ بإنجازات رائعة يختارها العقلاء وفق ما ارتضته لهم شريعتهم الغراء ؟؟!!
رابعا: حفظ المال: لم يكتف الإسلام بحفظ المال ببيان الأحكام الشرعية المتعلقة بتنميته، والطرق المشروعة لصرفه، بل زاد الشرع الحنيف فبين لنا من الأسرار الجالبة لطرح البركة فيه، وحذّر من أسباب إتلافه ومحقه !! قال صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) [رواه مسلم] .. وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعط منفقا خلفا)[متفق عليه] .. قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة : ٢٧٦] !!
جعل الله تعالى المال قياما لحياة الناس !! ولذا فإن تنميته وحفظه واستمرار تدفقه لا غنى عنه لنجاح المشاريع الخاصة والعامة، وعامل أساس في نهضة المجتمعات !!
خامسا: حفظ العرض: لم يكتف الإسلام بحفظ العرض ببيان الأحكام الشرعية الخاصة بحفظ الأعراض -كتحريم الفاحشة والشذوذ، وتحريم التبرج والسفور، والأمر بغض البصر- بل زاد سبحانه فبين لنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ما لو آمنت به المجتمعات التى أغض مضجعها الأرقام الفلكية لحوادث الاغتصاب؛ لوجدت حلا لها !! قال صلى الله عليه وسلم (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) [صحيح الجامع (2546)] !!
لا يقتصر حفظ الأعراض على سلامة أنساب الناس فقط، بل حفظ الأعراض فيه خلو المجتمعات من جرائم الاغتصاب، التي ترفع عن المجتمعات أمنها وسلامتها !!
نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!