الحلقة السابعة من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!
مما تفرد به علم الإدارة في الإسلام: التوازن في أداء المسلم اليومي لإشباع كل متطلباته !!
*عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً : فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ : كُلْ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ الليل، قَالَ سَلْمَانُ قُمِ الْآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: ” إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ “فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَ سَلْمَانُ) رواه البخاري !!
ديننا الإسلامي العظيم لا يفرق بين حركة الإنسان وتعاملاته داخل المصنع، أو تجمّعه مع إخوانه في أداء شعيرة الحج، لا يفرق بينهما في ضرورة أن تكون أخلاقيات وتعامل الناس في أي مكان كانوا لابد أن تنضبط بشرع الله تعالى ومنهجه؛ الذي يضمن التوازن في أداء عمل المسلم اليومي بين متطلباته المتنوعة !!
لقد جاء ذكر النسك ضمن الآية العظيمة من سورة الأَنْعَام؛ التي تكلمت عن حياة الإنسان وما يتخللها من أعمال دينية ودنيوية، وأنها كلها يجب أن تكون لله رب العالمين، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام : ١٦٢] !!
ليس الإنسان آلة تشغّله الشركة أو المؤسسة بكفاءة عالية لساعات طويلة، ثم تلفظه بعد الدوام وشأنه الخاص؛ سواء نجح في شأنه الخاص أم فشِل !!
يحصل هذا التشغيل للإنسان -لدى غير المسلمين، في شركات ومؤسسات الحضارة المادية الغربية أو الشرقية- حيث يستحوذ العمل على الجزء الأكبر من أوقات العاملين لإنجاح أهداف المؤسسة وزيادة أرباحها، مما يؤدي إلى عدم التوازن في إشباع نوازعه الأخرى؛ التي هي أساس في نجاحه في كل أموره !!
هذه التجربة الإدارية الناجحة في تشغيل الإنسان خلال ساعات دوامه الوظيفي؛ وجعله مُنتِجا -لدى غير المسلمين- كان الأولى أن تنعكس على أصحابها بالقناعة التامة بضرورة تبنيهم نظاما لحياة الإنسان كلها، حتى ينجح في الميدان الأكبر، ميدان الحياة، بعد أن لمسوا نجاحه في حيّز زماني ومكاني صغير في مصنعه أو شركته، فيُحسِن التعامل مع خالقه ومع نفسه ومع غيره ومع المجتمع كله خلال حياته كلها !!
نُكِس غير المسلمين على رؤوسهم رغم معرفتهم للحق، فتركوا الإنسان خارج المصنع بعد انتهاء دوامه؛ ليفعل ما يحلو له ، معلنين أن الإنسان -المكرّم من الله تعالى والمفضّل على كثير ممن خلق- هو مجرد مورد بشري، مثله مثل باقي الموارد الأخرى، كالموارد المالية والمنشآت والحواسيب التي تحتاجها الشركات لخدمة إنتاج المصانع وزيادة أرباحها، تركوه حرا خارج المصنع ، زعموا. واستنكفوا واستكبروا على الاستسلام لمنهج الله للإنسان الذي يخلصه من عبودية كل شيء، إلا عبودية الله الواحد الديان، بل الأدهى من ذلك أنهم وضعوا له نظاما بديلا ناقصا قاصرا يسيّر به حياته، سمحوا له فيه حتى بمخالفة الفطرة بالإباحية والشذوذ الجنسي، ناهيك عن إفساد أحواله الاقتصادية وغيرها من جوانب حياته، ممّا يضر الإنسان ويرده أسفل سافلين !!
هذا الخلل في التوازن في أداء العمل اليومي لدى غير المسلم؛ جعله لا يملك الوقت في التفكير في حق ربه ونفسه وأهله ومعارفه !! وهذا عندي من أكبر الأسباب التي أبعدتهم عن الدين الحق -الإسلام- حيث استمروا على دين آبائهم؛ يزورون كنائسهم ومعابدهم؛ لوقت قصير عابر في يوم من أيام الأسبوع، ثم يعودون ليهبوا جُل أوقاتهم وزبدة فكرهم لعملهم الوظيفي، ولا يجدون من الوقت ما يمكنهم من التأمل في حقيقة دينهم، مقارنة بالإسلام؛ الذي هو أسرع الأديان انتشارا اليوم !! وهذا ممّا أذاقهم الخزي في الحياة الدنيا ثم هم يوم القيامة من الخاسرين -ما لم يتوبوا- وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن منع غضب، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش)[رواه البخاري (2887)] !!
هكذا يتبين الفرق بين الإسلام المنهج الرباني الذي تفرد في علم الإدارة بالتوازن في أداء المسلم اليومي لإشباع كل متطلباته، وبين منهج البشر الذي نجح في دفع الإنسان لبذل قصارى جهده وطاقته في مصنعه، ثم تركه هملا كالأنعام في سائر حياته، بل هو أضل منها كما قال تعالى عن المتمردين على منهجه الرافضين للاستسلام لخالقهم:{أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف : ١٧٩] !!
*نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!*
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!