التأمل المفيد (٤٣)

الحلقة الثانية من سلسلة “علوم الإدارة والإسلام”، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : ١٠٥] !!

لن يتناول حديثي في هذه السلسلة فنون الإدارة في هذا العصر -التي كتبها منظرون إداريون غربيون، والتي أمتلأت بها أرفف مكتباتنا- لأبين كيف أن الإسلام قد سبق إليها !! فنحن لا نحتاج إلى هذا الأسلوب لنبرز اهتمام الإسلام بالإدارة !! وإن كنت سآتي -بعون الله تعالى في حلقات لاحقة- بما تفرّد به الإسلام من فنون الإدارة، وكذلك بعض فنون الإدارة التي كتبها معاصرون غربيون؛ لكنها قصُرت عن شمولية طرح الإسلام لها !!

لكنني سأبدأ في تفصيل ما وفقني الله تعالى إلى كتابته في الحلقة الأولى: “إن الإدارة في الإسلام تمثلت في التطبيق الأمثل للرسول صلى الله عليه وسلم لكل ما أوحي إليه من ربه العليم الحكيم !! أي أن كل عمل فردي أو جماعي قام به صلى الله عليه وسلم إنما قام به بأكمل وأفضل إدارة عرفتها البشرية خلال تاريخها الطويل !!

إن المتأمل في الإنجازات المتميزة للقرون التي أعقبت العهد النبوي؛ في كافة المجالات؛ الفردية والجماعية -حتى أضحت الأمة المسلمة؛ الأمة التي فتحت قلوب العباد؛ كما فتحت البلاد، ونشرت العدل، وأقرت القيم الربانية العظيمة- المتأمل في تلك الإنجازات؛ يستيقن أن تلك القرون إنما أحرزت تلك النجاحات والإنجازات بتوفيق الله تعالى أولا ثم بمحاكاتها للإدارة الربانية التي كان أسوتهم وقدوتهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمله الفردي والجماعي !! لقد كانت تلك القرون تنجز كما لو كانوا أعلم الناس في علوم الإدارة وتطبيقاتها العملية !!

إن عناية الله تعالى بدينه في عهد النبي الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، والوحي إليه، وتوجيهه بما يضمن له النجاح والفلاح والإنجاز العظيم في كل أمر -حتى في كيفية تلقي المجتمع المسلم الأخبار الإيجابية أو السلبية، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : ٨٣] !!- إن هذه العناية تدل على أن إدارته صلى الله عليه وسلم للأمور كانت إدارة ربانية !!

وإذا كانت الإدارة في عهده صلى الله عليه وسلم ربانية الصنعة؛ فلا غرابة أن القرون التي جاءت بعده صلى الله عليه وسلم وتمسكت بهديه بصدق ويقين؛ أخذت من النجاح والفلاح والإنجاز المبهر نصيبا؛ مما كان عليه رسولهم صلى الله عليه وسلم من نجاح وفلاح وإنجاز؛ أبهرت العقول على مدى التاريخ !!

وإذا كان قول المسؤولين في المؤسسات لموظفيهم؛ إن خططهم الاستراتيجية ينبغي ألا تكون حبرا على ورق !! فإن أعظم من هذه المقولة -في بيان أهمية تحويل الخطط النظرية إلى عمل في الواقع- هو قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في وصفها للرسول صلى الله عليه وسلم وعمله الدؤوب في تحويل الوحي المطهر وما فيه من توجيهات ربانية إلى واقع عملي مشهود !! قالت رضي الله عنها حينما سألوها عن خلقه صلى الله عليه وسلم : (كان خلقه القرآن) [رواه مسلم] !!

وأخيرا: نقول بكل فخر واعتزاز لكل منظري الإدارة في العالم: إن دين الإسلام العظيم الخالد -المنزل ممن يدبر أمر خلقه، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة : ٥]- قد دبر الله تعالى فيه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، فما من عمل -فردي أوجماعي- يقوم به صلى الله عليه وسلم إلا قام به بأكمل وأفضل إدارة عرفتها البشرية خلال تاريخها الطويل !!

*نواصل في الحلقة القادمة -بعد عون الله تعالى وتوفيقه- الحديث عن علوم الإدارة والإسلام !!*

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله تعالى له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه) !!