التأمل المفيد (٤٢٩)

الحلقة العاشرة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} [الأنبياء: ١]، قال أهل التفسير: “دنا وقت حساب الناس على ما قدَّموا من عمل، ومع ذلك فالكفار يعيشون لاهين عن هذه الحقيقة، معرضين عن هذا الإنذار” !!

يا لهول وشدة هذا الخبر القرآني العظيم: قد دنا واقترب موعد الفصل بين الخلائق؛ والكفار من شتى المِلل الضالة -وهم المخاطبون في آية التأمل في هذا المقال؛ كما قال أهل التفسير-، في ذهول وإعراض عن ذلك !!

وإن المسلم ليتساءل: أي نوع من الإعراض والغفلة الخطير والكبير هذا؛ الذي تمكن من تغييب مجتمعات الحضارة المادية عن أمر جلل وعظيم كأمر اقتراب يوم الحساب ؟

وهذا التساؤل في مكانه، حتى لا يظن ظان أن هذه الغفلة في المجتمعات المادية عن يوم الحساب هي نتيجة اللهو واللعب وضياع الأوقات فقط -فهذه من مظاهر الغفلة وأعراضها؛ وليس من مسبباتها-، والمتأمل في أحوال تلك المجتمعات يجد أن الأمر أكبر بكثير من اللهو واللعب وضياع الأوقات !!

إن هذه الغفلة التي تعيشها المجتمعات المادية؛ وهذا الضلال البعيد -كما سيأتي بيانه- منشؤه اتصال قائم ومستمر بين مردة الجن وبين أوليائهم من مجرمي الإنس، وقد حدثنا القرآن الكريم عن كيفية بعض هذه الاتصالات، قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢١]، قال أهل التفسير: “وإن مردة الجن لَيُلْقون إلى أوليائهم من شياطين الإنس بالشبهات” !!

ومن أنواع الاتصال بين مردة الشياطين ومجرمي الإنس؛ أن يأتي الشيطان في صورة إنسان؛ كما حصل ذلك في غزوة بدر، قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: ٤٨]، قال الإمام السعدي في تفسير الآية: “لأن إبليس قد تبدَّى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي”[تفسير السعدي (٣٢٢)] !!

كما أن مع كل إنسان قرينه من الجن؛ لا يفتر من الوسوسة إليه؛ وتزيين الباطل له، وليس لهذا القرين من علاج سوى ذِكر الله سبحانه؛ وهو الحصن الحصين من الشيطان؛ كقول: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ) في اليوم مائة مرة؛ قال عنها صلى الله عليه وسلم: (وَكُنَّ لَهُ حِرزًا منَ الشَّيطانِ، سائرَ يومِهِ إلى اللَّيلِ) [متفق عليه] !!

والغريب أنه في الوقت الذي أنشأت دول الحضارات المادية مراكز دراسات لكل ما يُتصور أنه قد يخل بأمنها؛ نجدها لم تعر اهتماما للعدو الأكبر للبشرية -الشيطان الرجيم- ولا حتى جزءاً مما بيّنه الله تعالى -في جميع كتبه المنزلة- عن عداوة الشيطان الأزلية للبشرية، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: ٦] !!

وعليه، يجب أن يعلم الناس جميعا -ومجتمعات الحضارة المادية على وجه الخصوص- أن مردة الجن لهم دور كبير في التخطيط لجميع جوانب الفساد الخطيرة والكبيرة التي مست حياة الناس هناك -بما يلقونه في روع مجرمي الإنس من شبهات وأكاذيب وبهتان وضلالات-، وهي جوانب فساد ألهتهم عن اتِّباع الدين الحق؛ وعن الاستعداد ليوم الحساب، ولن يخرجوا من هذا التخبط الشيطاني إلا بالاستسلام لله رب العالمين؛ والانقياد لمنهجه القويم !!

وفيما يلي بعض هذه الجوانب الإفسادية للشيطان:

أولا:

تزيين الشيطان لإفساد الدين:

قال تعالى: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل: ٢٤] !!

 نجح مردة الجن في تحريف دين الرسل -قبل رسالة خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام-، وألهوا بذلك المليارات من أتباع ذلك الدين المحرف عن الاستعداد ليوم الحساب، بل جعلوا هذه المليارات تستعد لما بعد الموت بالشرك والكفر !!

ثانيا:

تزيين الشيطان لإفساد الأسرة:

قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة، يجيء أحدهم فيقول ما زلت بفلان حتى تركته وهو يقول كذا، فيقول إبليس، لا والله ما صنعت شيئا، ويجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، قال فيقربه ويدنيه ويقول نعم أنت)[رواه مسلم (٦٧)]، إن اختيار الشيطان لهدم الأسرة يعكس خطورة أهدافه !!

وأمّا العُري والتبرج والسفور والاختلاط -الذي هو السبب الرئيس للجرائم في المجتمعات المادية؛ وبالتالي هدم الأُسر- فإنهم وقعوا في فتنة الشيطان التي حذّر الله منها، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: ٢٧] !!

وأمّا خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة -وهو مفسد للأُسر- فهو صيد ثمين للشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا والشيطان ثالثهما)[صحيح الجامع 2546] !!

ثالثا: تزيين الشيطان لإفساد الإعلام:

 قال تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء: ٦٤] !!

إننا نعيش عصرا قد نجح فيه إبليس الرجيم؛ في تسخير جيش جرار من المؤسسات الإعلامية الهابطة؛ التي لا سابق لها ولا مثيل في تاريخ البشرية كله -وذلك عن طريق تزيينها لأوليائه من شياطين الإنس؛ الذين أبدعوا في إخراجها في أرض الواقع؛ كيانات قائمة تنفث سمومها بين الناس-، كهوليوود وغيرها من إمبراطوريات الفساد والإفساد، مع إطباق عالمي بتجاهل دور إبليس الرجيم في إبعاد الناس عن الحنيفية السمحة، وجرهم إلى هذا التخبط والخَبال، حكى لنا القرآن الكريم قول إبليس: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢] !!

ومع اقتراب يوم الحساب؛ فإننا نرفع أكفّ الضراعة إلى الله تعالى بأن يبصرنا بأسباب غفلة اليهود والنصارى؛ وغيرهم من أصحاب المِلل الضالة -التي زينها لهم الشيطان- حتى نتجنبها؛ وحتى نُقبِل على الله تعالى بالأعمال الصالحة قبل يوم الحساب، خاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من اتِّباعهم: (لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه. قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: فمَن) [متفق عليه] !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبيّن لنا فيه اقتراب يوم الحساب !!

اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم اليهود المجرمين الغاصبين .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..