التأمل المفيد (٤٢٨)

الحلقة التاسعة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٤]، قال أهل التفسير: “وقال هؤلاء المشركون: ما الحياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها، لا حياة سواها؛ تكذيبا منهم بالبعث بعد الممات، وما يهلكنا إلا مرُّ الليالي والأيام وطول العمر؛ إنكارًا منهم أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم، وما لهؤلاء المشركين من علم بذلك، ما هم إلا يتكلمون بالظن والوهم والخيال” !!

بالرغم من إقرار كفار قريش بأن الله تعالى خالقهم، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: ٨٧]؛ إلا أنهم ينكرون أنه هو من سيفنيهم ويهلكهم؛ كما جاء ذلك في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْر}، وأمّا كفار عصرنا؛ فقد تمادوا في كفرهم وإلحادهم عن كفار قريش؛ حين أنكر الكثير منهم وجود الإله؛ ثم ازدادوا إلحادا وجعلوا من الكون -أو الطبيعة- إلها؛ كذبا منهم وبهتانا !!

وقد صدر هذا الإلحاد في عصرنا من أروقة الجامعات؛ من فلاسفة ملحدين: كدارون، وفرويد، ونشته، وغيرهم، ثم تلقفها الرعاع ممن خوت أرواحهم من هداية الوحي .. وقد صرّح أحد ملاحدتهم في مقال بعنوان: (فِهم الله باعتباره الطبيعة أو الكون)(Understanding God as Nature or The Universe)؛ صرّح هذا الملحد في مقاله بأن الله هو الطبيعة؛ تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا !!

وإن ممّا يجهله الكفار والملاحدة -على مر التاريخ- أن اختيار الكفر على الإيمان؛ هو أخطر قرار مهلك ومشين يختاره الإنسان، ولذا عانت قريش -لكفرها- من ظلمات عظيمة؛ كعبادة الأصنام؛ ووأد البنات وغيرها من الفواحش، ولا شك أن المجتمعات المادية المعاصرة -التي أنكر كثير من أفرادها وجود الإله- تعاني من ظلمات أشد وأعظم؛ والكوارث التي طالت الأفراد والمجتمعات فيها؛ لا تكاد توصف من كثرتها وشدتها وشناعتها !!

هذا، وإن أحد أهم الهدايات الربانية لدحض هذا الكفر والإلحاد المعاصر -تأليه الكون- الذي اجتاح المجتمعات المادية؛ هو معرفة ما قاله الخالق سبحانه عن هذا الكون؛ وما أراه الله لإبراهيم عليه السلام من ملكوت السماوات والأرض؛ ليقيم الحجة على قومه الذين كانوا يعبدون النجوم، قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: ٧٥]، قال أهل التفسير: “وكما هدينا إبراهيم عليه السلام إلى الحق في أمر العبادة، نُريه ما تحتوي عليه السموات والأرض من ملك عظيم، وقدرة باهرة، ليكون من الراسخين في الإيمان” !!

ولعلنا في هذا المقال نستعرض بعض آيات الكتاب الحكيم، لنرى ملكوت السموات والأرض؛ ونتعرف بذلك على الجهل البالغ للملاحدة الذين يُألِّهون الكون؛ ونزداد نحن رسوخا في إيماننا؛ ونكون من الموقنين، فأقول وبالله التوفيق:

أولا:

بيّن الله تعالى في كتابه الكريم أنه خلق الكون في يوم يعلمه سبحانه، فكيف يُألِّه الملاحدة كونا مخلوقا ؟!

قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [التوبة: ٣٦] !!

وكذلك لا يعلم نهاية هذا الكون المخلوق إلا الله، قال تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: ٦٤] !!

ثانيا:

بيّن الله تعالى في كتابه الكريم أنه هو من يحيي ويميت، فكيف يُألِّه الملاحدة الكون الذي لا يحيي ولا يميت ؟!

قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الأعراف: ١٥٨] !!

ثالثا:

بيّن الله تعالى في كتابه الكريم أنه لا شريك معه في ملكه، فكيف يُألِّه الملاحدة الكون؛ والكون ملك لله وحده ؟!

قال تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: ٢] !!

رابعا:

بيّن الله تعالى في كتابه الكريم أنه يمسك الكون أن يزول، فكيف يُألِّه الملاحدة كونا؛ لو أزاله الله لم يمسكه أحد من بعده سبحانه ؟!

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: ٤١] !!

خامسا:

بيّن الله تعالى في كتابه الكريم أنه الرازق سبحانه، فكيف يُألِّه الملاحدة الكون، والله تعالى يرزقهم من بعض مكونات هذا الكون؛ يأمر السماء فتمطر؛ ويأمر الأرض فتنبت ؟!

قال تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [سبأ: ٢٤] !!

كما أن في كتاب الله تعالى الكثير من الآيات الكريمات التي تدل على تسخير الله تعالى الكون لنا، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: ١٣] .. فواعجبا ممّن يُألِّهون هذا الكون المُسخَّر للإنسان !!

هذا، وإن من أعظم ما يجهله الملاحدة عن الكون -الذي جعلوه إلها- هو الحق الذي خلق الله تعالى هذا الكون لأجله، قال تعالى: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ} [العنكبوت: ٤٤] .. كما توعد بالنار من ظن ألا هدف من وراء خلق السماوات والأرض، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: ٢٧] !!

ولذلك، فإن من الحق في خلق الكون: معرفة الله، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢] !!

وكذلك من الحق في خلق الكون: عبادة الله فيه، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ} [هود: ٧] !!

وكذلك من الحق في خلق الكون: الإيمان بالبعث والجزاء، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: ٨٥] !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وعرّفنا فيه على ملكوت السماوات والأرض !!

اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم اليهود المجرمين الغاصبين .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..