الحلقة السابعة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى (آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول): {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص: ٦٩] !!
لا ينظر المؤمن إلى السماء بعينيه نظرة سطحيّة عابرة؛ يتأمل في لونها الجميل فقط، إنما ينظر إليها بعينيه وقلبه معا، متنقلا بين نصوص الكتاب والسنة؛ التي تتحدث عن الملأ الأعلى -الملائكة الكرام-؛ الذي جاء ذكرهم في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}، إذ للمسلم شأن عظيم مع الملائكة؛ لا ينفك عنه طوال حياته -كما سيأتي بيانه-؛ إلى أن يقع الحدث الأخير له معهم؛ حين يأتي وفد من الملائكة -على رأسهم ملك الموت عليه السلام لقبض روحه- كما بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم !!
ونحن أهل الإسلام، نختلف في موضوع الإيمان بالغيب عن شعوب الحضارات المادية؛ التي لا تقيم له وزنا -نتيجة انسياقهم وراء الفكر المادي الإلحادي؛ بأن كل شيء يتعاملون معه يجب ان يخضع للدراسة والتجربة في المختبرات-، أقول نحن -ولله الحمد- وُصِفنا في أول حديث عن المتقين في القرآن الكريم؛ بأننا أهل الإيمان بالغيب، قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: ٣]، بل نحن نؤمن بالغيب وكأنما هو عالم مشهود! ألسنا نعبد الله تعالى كأننا نراه؛ إذا ارتقينا في عبادتنا إلى أعلى درجتي الإحسان ؟!
والأغرب من عدم تصديق أرباب الحضارات المادية بالغيب الذي جاء من عند الله تعالى عن الملائكة الكرام؛ الأغرب من ذلك هو نسجهم لأساطير وخرافات حول وجود كائنات فضائية (aliens)، وأطباق طائرة (flying saucers)، بل وادّعوا تناسخ الأرواح بعد الموت (reincarnation)، وكتبوا في كل ذلك الهراء كتبا، منها كتاب: (لقاءات مع كائنات فضائية) (ALIEN ENCOUNTERS)، ومنها كتاب: (التناسخ) (REINCARNATION)؛ يتحدث عن تناسخ الأرواح، وما علموا أنه لا رجعة لأحد إلى هذه الدنيا بعد الموت، قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} [يس: ٣١] !!
وقد تحدث الإسلام كثيرا عن الملائكة الكرام: كالحديث عن عظيم خِلقتهم، قال صلى الله عليه وسلم: (رأيتُ جبريلَ لهُ سِتُّمِائةِ جَناحٍ) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٣٤٦٤)]، وعن كثرة أعدادهم كما في حديث البيت المعمور؛ وفيه قال جبريل عليه السلام: (يدخُلُه كُلَّ يومٍ سبعون ألْفَ مَلَكٍ، إذا خَرَجوا منه لم يعودوا فيه آخِرَ ما عليهم) [متفق عليه]، وغير ذلك كثير من نصوص الكتاب والسنة !!
والسؤال الذي يطرح نفسه:
ما المعاني الإيمانية العظيمة التي نستلهمها من بعض النصوص الشرعية التي تحدثت عن الملائكة الكرام ؟
الجواب: المعاني الإيمانيّة في ذلك كثيرة وعظيمة، من ذلك:
أولا: زيادة الإيمان بالله تعالى:
قال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: ٥٠] !!
هذا المعنى الإيماني العظيم: أن الله تعالى فوق الملائكة -الذين يسكنون السماء-، قال تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ} [النجم: ٢٦]-؛ يدل على صفة (العلو) لله تعالى؛ علو ذاته؛ وقهره؛ وكمال صفاته -كما قال أهل التفسير-، وقد ورد في علوه سبحانه ثلاثة أسماء حسنى في كتاب الله تعالى: (العلي، والأعلى، والمتعال) .. ولأن الله تعالى فوق السماوات؛ مستو على عرشه استواء يليق بجلاله؛ فإن الأشياء تعرج إليه؛ وتنزل منه .. الملائكة تعرج إليه، قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: ٤]، والوحي ينزل من عنده، قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النحل: ٢] .. فيا له من معنى عظيم -خوف الملائكة ممن فوقهم -الله العلي العظيم-، فاللهم ارزقنا الخوف منك يا علي يا عظيم !!
ثانيا: ميكائيل -عليه السلام- ملك القطْر :
قال تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٩٨] !!
لأن مجتمعات الحضارات المادية لا تقيم لعالم الغيب وزنا -من ذلك الملك ميكائيل عليه السلام؛ الموكل بالقطْر-؛ فإنهم يعزون الفيضانات -التي عمّت عدة ولايات في أمريكا هذا الصيف؛ ومات غرقا في ولاية تكساس لوحدها (١٣٠) شخصا، عدا المفقودين-؛ يعزونها إلى عوامل جوية غير عادية .. في مقال نُشِر قبل أيام بعنوان: (صيف الفيضانات)(SUMMER OF FLOODING)؛ على الموقع الإخباري (DRUDGE REPORT)]; جاء فيه: “وقد أدى ذلك إلى مستويات قياسية مما يطلق عليه خبراء الأرصاد الجوية -المياه القابلة للتساقط-، وهي كمية الأمطار التي ستنتج عن استخراج كل الماء الموجود في الهواء على الفور”، وأقول لهم: إن نزول الماء على الفور -الذي فاجأكم- إنما قام به ميكائيل عليه السلام، أرسله الله تعالى ليريهم قدرته سبحانه على فعل ما يشاء !!
وإنّا لنسأل الله تعالى أن يرسل ميكائيل عليه السلام بالقطْر النافع على أرض غزة؛ ينبت به ما يشبع جوعهم ويروي عطشهم؛ إنه على ذلك قدير !!
ثالثا: اختصام -تباحث ومناقشة- الملأ الأعلى لبعض الأعمال الصالحة:
في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (أتاني اللَّيلةَ ربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ، قالَ أحسبُهُ قال في المَنامِ فقالَ: يا محمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قالَ: قلتُ: لا، قالَ: فوَضعَ يدَهُ بينَ كتفيَّ حتَّى وجَدتُ بَردَها بينَ ثدييَّ أو قالَ: في نحري، فعَلِمْتُ ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ، قالَ: يا مُحمَّدُ، هل تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: نعَم، في الكفَّاراتِ، والكفَّاراتُ المُكْثُ في المسجدِ بعدَ الصَّلاةِ، والمَشيُ على الأقدامِ إلى الجماعاتِ، وإسباغُ الوضوءِ في المَكارِهِ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣١٦٩)] !!
يا له من حديث عظيم ! .. فيه رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لله تعالى في المنام .. وفيه مناقشة الملأ الأعلى -الملائكة الكرام- لأعمال صالحة؛ نرجو الله تعالى أن يجعلنا من أهلها !!
كانت تلك معانٍ إيمانية ثلاثة مع الملائكة الكرام عليهم السلام، وغيرها كثير في الكتاب والسنة .. لكني آثرت أن أختم المقال بهذا الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلم: (أطَّتِ السماءُ وحق لها أن تَئِطَّ؛ ما فيها موضِعُ أربعِ أصابِعَ إلا ومَلَكٌ واضِعٌ جبهَتَهُ لله ساجدًا) [حسنه الألباني في صحيح الجامع (٢٤٤٩)] !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه بالتفصيل ركن الإيمان الثاني؛ الملائكة الكرام عليهم السلام !!
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم اليهود المجرمين الغاصبين .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر ..