الحلقة الرابعة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!*
قال الله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: ٥٣]، قال أهل التفسير: “أتواصى الأولون والآخرون بالتكذيب بالرسل حين قالوا ذلك جميعًا؟ بل هم قوم طغاة تشابهت قلوبهم وأعمالهم بالكفر والطغيان، فقال متأخروهم ذلك، كما قاله متقدموهم” !!
الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}؛ قاعدة قرآنية ربانية عظيمة؛ تكشف للأمة المسلمة عن تشابه مواقف أعداء الملة والدين الخاطئة الباطلة؛ خلال تاريخ البشرية الطويل؛ وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها !!
هذه القاعدة القرآنية: {أَتَوَاصَوْا بِهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}؛ هي بحق مفتاح لكنز معلوماتي ضخم عن مواقف أعداء الإسلام المخزية -نزل بها الوحي المطهر في أكثر سور القرآن الكريم-، لا يمكن لمراكز دراسات وبحوث مجتمعة أن تمدنا بمثله؛ ما لم تتخذ القرآن الكريم مرجعها الأساس !!
وبسبب كثرة مواقف أعداء الإسلام الخاطئة الباطلة؛ والمتكررة على مر العصور -التي بينها الله في كتابه الكريم-؛ أقول بسبب كثرة مواقفهم الخاطئة والمتكررة فإنني سأقتصر على بيان خمسة مواقف منها -كبيرة ومشينة-، فأقول وبالله التوفيق:
الموقف الأول: ادّعاؤهم الربوبية والألوهية:
حكى لنا القرآن الكريم ادّعاء فرعون للربوبية والألوهية، قال تعالى: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ} [النازعات: ٢٤]، وقال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي} [القصص: ٣٨]، وقد أهلكه الله وجنده في مثل يومنا هذا؛ يوم عاشوراء !!
كما كرر النمرود ادّعاء الربوبية، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: ٢٥٨] !!
وادعى الربوبية كذلك الأحبار والرهبان، قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّه} [التوبة: ٣١] .. قال عليه الصلاة والسلام عن اتخاذ النصارى الرهبان أربابا من دون الله: (أمّا إنَّهم لم يَكونوا يعبدونَهم ولَكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لَهم شيئًا استحلُّوهُ وإذا حرَّموا عليْهم شيئًا حرَّموه) [حسنه الألباني في صحيح الترمذي (٣٠٩٥)] !!
وهكذا على مر العصور، يدعي أعداء الإسلام الألوهية؛ أو شيئا من خصائص الألوهية؛ كالتشريع وسن القوانين المحادّة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم .. وفي عصرنا كرر أرباب الحضارات المادية التشريع الباطل والآثم لشعوبهم؛ حتى بلغ بهم الحال إلى إباحة الفاحشة والشذوذ -بعد سِن الثامنة عشرة-، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١] !!
الموقف الثاني: ادّعاؤهم أن الاستسلام لله تعالى يُخِلُّ بأمنهم:
قال تعالى: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا} [القصص: ٥٧] !!
حين ادّعى كفار قريش أن اتِّباع هدى الله تعالى يُخِلُّ بأمنهم -قالوا: نُتَخَطَّفْ من أرضنا بالقتل والأسر ونهب الأموال-؛ رد عليهم القرآن الكريم في نفس الآية، قال أهل التفسير: “أولم نجعلهم متمكنين في بلد آمن، حرَّمنا على الناس سفك الدماء فيه، يُجلب إليه ثمرات كل شيء رزقًا مِن لدنا؟” !!
أقول: أمّنهم سبحانه في البلد الحرام في زمن جاهليتهم، فكيف لو اتبعوا هدى الله؟! إذن لازداد أمنهم، وهذا ما وقع بالفعل لأهل مكة؛ بعد أن دخلوا في دين الله، حيث صارت أم القرى دار إسلام إلى يوم القيامة؛ لا تُغزى أبدا، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُغْزَى هذِهِ بعدَ اليومِ إلى يومِ القيامة) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٤٢٧)] !!
وفي عصرنا كرر أرباب الحضارات المادية الادّعاء نفسه -أن الاستسلام لله تعالى يُخِلُّ بالأمن-، بل زادوا على ذلك بأن وصموا الإسلام -دين السلام- بالإرهاب المدمر لأمن العالم كله -زعموا-، وقد علِم القاصي والداني أن مجتمعاتهم -المتمردة على الله- تشكو الانفلات الأمني غير المسبوق؛ وانتشرت الجريمة لديهم بأعداد فلكية !!
الموقف الثالث: ادّعاؤهم الاهتمام بمعرفة الحق:
قال تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} [الأنبياء: ٥٥] !!
هذا ادّعاء الكفار في كل زمان: أن بُغيتهم الوصول إلى الحق، وهم أبعد الناس عن طلب الحق؛ وعن قبوله، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} [يونس: ٧٦] !!
وهكذا يكرر أرباب الحضارات المادية في عصرنا الادّعاء نفسه؛ حين يزعمون أنهم يبحثون عن الحق؛ في جميع الأمور؛ كالعدل والمساواة والحرية -زعموا- وهم أشد الناس عداوة للعدل والمساواة والحرية التي جاء بها الإسلام؛ دين الحق !!
الموقف الرابع: ادّعاؤهم أن ما هم فيه من رخاء أو قوة لا يزول أبدا:
قال تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا} [الكهف: ٣٥]، اعتقد هذا الظالم لنفسه -الكافر بالبعث- أن حديقته لن تَهْلِك مدى الحياة، فأهلك الله تعالى حديقته وأزالها، قال تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: ٤٢] !!
وهذا الادّعاء يكرره أرباب الحضارات المادية في عصرنا؛ بأنهم يملكون الرخاء الذي لن يزول؛ والقوة العسكرية التي لا يغلبها أحد، وكأنهم يملكون الأرض وما عليها .. وسيزول ما هم فيه من رخاء وقوة؛ ما لم يتوبوا إلى الله تعالى !!
الموقف الخامس: ادّعاؤهم أنهم أعلم الناس بالخير:
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: ١١] !!
وهذا ادّعاء آخر للكافرين؛ وهو اعتقادهم أنهم أعلم الناس بالخير، فإذا ما جاءهم الخير من رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- أعرضوا عنه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ} [النساء: ١٧٠] !!
وهذا عين ما يفعله أرباب الحضارات المادية في عصرنا تجاه الإسلام -والإسلام كله خير- نبذوه وحاربوه، فأين ذهبت معرفتهم بالخير الذي يزعمون ؟!
وبعد، كانت تلك بعض المواقف المشينة والمخزية لأعداء الإسلام -تبناها السابق منهم؛ ويسير عليها اللاحق؛ لا تتغير ولا تتبدل على مر العصور- دلنا عليها الخالق العليم الخبير بسلوكيات أعداء الإسلام، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: ٤٥] .. ولو تتبعنا آيات القرآن الكريم جميعها لوجدنا غيرها من المواقف المخزية المشينة !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه مواقف أعداء الإسلام المتشابهة والمتكررة على مر العصور !!
اللهم كن للمستضعفين في غزة ناصرا ومؤيدا ومعينا .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله *اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..