التأمل المفيد (٤١٦)

الحلقة السابعة والتسعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: ١٣٦] !!

الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-؛ تبين ما للإيمان بالكُتُب المنزّلة من الله تعالى على رسله -عليهم الصلاة والسلام- من أهمية قصوى لهداية البشرية؛ واستقامة وصلاح حالها؛ وحمايتها من الضلال البعيد المتوعد به كل من يكفر بالوحي المبين !!

وإن من أجهل الجهل وأعمى العمى؛ إصرار أرباب الحضارة المادية اليوم -وسلفهم من الكفار على مر القرون- إصرارهم على نبذ كتاب الخالق المالك لهم وراء ظهورهم -وهو الحق المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه-، في الوقت الذي نجدهم يدركون أهمية الكُتُب التي يكتبها البشر في كافة المجالات -الطبية والهندسية والاجتماعية وغيرها- ويُجلّونها؛ ويدركون أن عدم الاستفادة منها هو عين الجهل !!

فوا عجبا .. أيعظمون ما كتبوه؛ وينبذون الكتاب المنزل من خالق الأرض والسماء؛ وهم بأمس الحاجة إلى هديه؛ ليس لإصلاح منشآتهم الهندسية؛ ولا لتحسين محاصيلهم الزراعية؛ وإنما يحتاجونه ليحققوا الغاية من وجودهم -عبادة الله تعالى-؛ ولإصلاح وتزكية نفوسهم ؟! وقد رأينا كيف طال الدمار والفساد جميع مجتمعاتهم وكافة أُسَرِهم؛ بسبب كفرهم بكتاب ربهم، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه: ١٢٤] !!

وإن ممّا زاد في صدّ غير المسلمين عن الانقياد لكتاب الله تعالى؛ تجاهلهم لتدابير الله تعالى في حفظه للذكر الذي أنزله -كعلم الإسناد والإجازة الذي تميز به المسلمون-، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، كما يتجاهلون البشارة بخاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم- الذي بشرت به كتبهم، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الصف: ٦] !!

أمّا أمة الإسلام، فالأمر يرتقي لديها -عند الحديث عن الكُتُب التي أنزلها الله تعالى؛ وخاصة القرآن العظيم- يرتقي إلى درجات رفيعة وعالية -إضافة إلى حفظها-، وهي أمور لا يؤمن بها إلا من نَوَّر الله تعالى قلبه بنور الإيمان الحق؛ ومن شأنها أن تدفع أصحاب الفِطَر السليمة إلى الاقبال على كتاب ربهم العلي العظيم؛ تلاوة وتدبرا وعملا وحفظا، من ذلك:

أولا: شهادة الله تعالى؛ وملائكته الكرام على إنزال القرآن الكريم بعلمه سبحانه:

قال تعالى: {لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: ١٦٦] !!

ثانيا: إنزاله سبحانه الكتب لتذكير العباد بعهد وميثاق الإيمان الذي أخذه عليهم في عالم الذّر:

*عَنْ أبي بن كعب رضي الله عنه -حول أخذ الله تعالى من بني آدم من ظهورهم ذريتهم؛ الذي جاء في آية سورة الأعراف، قَالَ: “جَمَعَهُمْ فَجَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا، ثُمَّ صَوَّرَهُمْ فَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا، ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟ قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمْ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ، أَنْ تَقُولُوا: يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ نَعْلَمْ بِهَذَا، اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي، وَلَا رَبَّ غَيْرِي فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، إِنِّي سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلِي يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي، قَالُوا : شَهِدْنَا بِأَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا، لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، ولا إِلهَ لَنَا غَيرُك، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ”  [حسنه الألباني في هداية الرواة (١١٨)] !!

ثالثا: حال الملائكة -عليهم السلام- حين يتكلم الله تعالى بالوحي:

قال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: ٢٣]، قال أهل التفسير: “ومن عظمته وجلاله عز وجل أنه إذا تكلم سبحانه بالوحي فسمع أهل السماوات كلامه أُرعدوا من الهيبة، حتى يلحقهم مثل الغشي، فإذا زال الفزع عن قلوبهم سأل بعضهم بعضًا: ماذا قال ربكم؟ قالت الملائكة: قال الحق، وهو العليُّ بذاته وقهره وعلوِّ قدْره، الكبير على كل شيء” !!

ألا ما أعظم كلام الله تعالى وما أجلّه !!

رابعا: علو قدر القرآن الكريم في اللوح المحفوظ:

قال تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: ٤]، قال أهل التفسير: “إنَّا أنزلنا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بلسان العرب؛ لعلكم تفهمون، وتتدبرون معانيه وحججه. وإنه في اللوح المحفوظ لدينا لعليٌّ في قَدْره وشرفه، محكم لا اختلاف فيه ولا تناقض” !!

واللوح المحفوظ شأنه عظيم، جاء ذِكره في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شَيءٌ غَيْرُهُ، وكانَ عَرْشُهُ علَى المَاءِ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شي) [رواه البخاري (7418)] !!

كما جاء ذكر اللوح المحفوظ في أكثر من آية؛ من ذلك جواب موسى -عليه السلام- على سؤال فرعون عن الأمم السابقة، قال تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [طه: ٥٢] !!

وقال تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩] !!

خامسا: كلام الله تعالى نور:

قال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: ٣٥]، قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير الآية: “ونبقي الآية على ظاهرها اللائق بالله عز وجل، ونقول: الله نور، وصفاته نور، وكلامه نور أيضًا؛ وذلك لأن الله تعالى وصف نفسه بهذا الشيء”[تفسير ابن عثيمين] !!

وقد زخر كتاب الله تعالى بالآيات التي وصفت كتاب الله تعالى بالنور، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} [النساء: ١٧٤]، وغيرها من الآيات الكريمات كثير !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه مكانة كتبه المنزلة على رسله عليهم الصلاة والسلام عموما؛ والقرآن على وجه الخصوص !!

اللهم كن للمستضعفين في غزة ناصرا ومؤيدا ومعينا .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللا طلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..