الحلقة الرابعة والتسعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ} [البقرة: ١٨٥] !!
استوقفني من الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- قول الله تعالى عن القرآن: {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}، استوقفني هذا المقطع من الآية وكأنني أقرأه لأول مرة .. يا لله .. خالق الكون سبحانه يريد منا أن نهتدي بالقرآن، يريد منا أن نعيش وفق القرآن؛ وأن نسمو ونرتقي بقيم القرآن العظيمة إلى الدرجات العلا عنده سبحانه ؟!!
ونظرا لِما لِموضوع الهداية من كتاب ربنا من مطالب عالية -كالتي ذكرتها آنفا-؛ فإنه يلزمنا أن نطرح السؤال التالي:
ما هو السبيل لنيل الهداية من كتاب ربنا؛ في شهر رمضان؛ وفي سائر أيامنا ؟
الجواب:
وفقني الله تعالى للنظر في مجموعة من التوجيهات الربانية؛ التي تعين على الاهتداء بالقرآن الكريم؛ أذكر ثلاثة منها، فأقول وبالله التوفيق:
أولا:
استحضار المقصد الأعظم الذي من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم:
بين الله تعالى لنا في كتابه الكريم أن المقصد الأعظم من نزول القرآن الكريم؛ ومن خلق الكون؛ ومن وضع الكعبة للناس: هو معرفة الله تعالى باسمائه الحسنى؛ وصفاته العليا؛ وأفعاله الجليلة، وفيما يلي تفصيل ذلك:
الكون:
قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢] .. نلاحظ قوله تعالى في الآية: {لِتَعْلَمُوا}، ثم بين هذا العلم فقال: {أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} .. إنه عِلْمُ معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه !!
الكعبة:
قال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: ٩٧] .. نلاحظ قوله تعالى في الآية: {لِتَعْلَمُوا}، ثم بين هذا العلم فقال: {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .. إنه عِلْمُ معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه !!
القرآن الكريم:
قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ • هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: ٢١-٢٢]؛ ففي ذكر جملة من أسماء الله تعالى الحسنى بعد الحديث عن القرآن الكريم مباشرة؛ إشارة إلى أن أعظم مقصد لإنزاله هو معرفة الله تعالى !!
وعليه، إن استحضار هذا المقصد العظيم -معرفة الله تعالى- عند قراءة القرآن يقوي العبادات القلبية، قال ابن القيم رحمه الله: “من عرف الله أحبه على قدر معرفته به، وخافه، ورجاه، وتوكل عليه، وأناب إليه، ولهج بذكره، واشتاق إلى لقائه، واستحيا منه، وأجلّه، وعظّمه على قدر معرفته به” [مدارج السالكين (٣/ ٣١٨)] !!
ثانيا:
معرفة الكيفية التي أمرنا الله تعالى أن نقرأ بها القرآن الكريم:
القرآن الكريم كلام ربنا سبحانه وتعالى هدى للمتقين، ولا يمكننا تدبر هداه إلا بالتأني في تلاوته، ولذا جاء التوجيه الرباني في كيفية قراءته، قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: ٤] قال أهل التفسير: “واقرأ القرآن بتُؤَدَة وتمهُّلٍ” !!
وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن الكريم أن يقرأه ترسلا؛ يقرأ آية آية [صححه الألباني في صحيح الجامع (٥٠٠٠)]، ولذا قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “لا يكن همّ أحدكم آخر السورة” [أخلاق حملة القرآن للآجرّي (٣٨)] !!
وانظر إلى أحدنا في عمله، إذا تواصل معه مديره بخطاب؛ فإنه سيتأنى ويتمهل في قراءة خطاب مديره؛ حتى يعي مراده، فكيف بخطاب ربنا سبحانه وتعالى؛ لا شك أنه أولى بالتمهل والتأني ؟!
ثالثا:
الحرص على إعطاء القرآن وقتا كافيا لتلاوته؛ علّه يأتي شفيعا لنا يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ) [رواه مسلم (804)]:
بعد أن عرفنا المقصد الأعظم الذي من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم، وبعد أن أدركنا كذلك أنه لا سبيل للوصول إلى زيادة معرفتنا بربنا إلا بتلاوة القرآن بترتيل؛ وبدون عجلة مُخِلة -لا يفقه معها القارئ ما يقرأ-؛ بقي علينا بعد ذلك أن نعطي القرآن وقتا أكثر، وهذا هو السر من وراء تمكن سلفنا الصالح من ختم القرآن مرات عديدة في رمضان، حيث اشتُهِر عنهم -إذا دخل رمضان- قول: “إنه القرآن” !!
وبعد أخي القارئ الكريم، فهذه ثلاثة توجيهات ربانية؛ تعين على الاهتداء بالقرآن الكريم -ضمنتها هذا المقال- سائلا الله تعالى أن يرزقنا الانتفاع بها في شهر رمضان المبارك !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ ودلنا فيه إلى سُبُل معرفته سبحانه؛ بأسمائه الحسنى؛ وصفاته العليا؛ وأفعاله الجليلة !!
اللهم بلغنا رمضان .. وأعنّا على حُسن صيامه وقيامه !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..