التأمل المفيد (٤١١)

الحلقة الثانية والتسعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ٨٧] !!

الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- تتحدث عن نزول الوحي على موسى -عليه السلام- بإقامة الصلاة؛ هو ومن معه من المؤمنين .. فكيف كانت صفة صلاتهم آنذاك ؟ بل كيف كانت صفة صلاة جميع المرسلين -عليهم السلام- من حيث القيام والركوع والسجود؛ لا من حيث ما يُقرأ فيها؛ إذ كان لديهم كتبهم المنزلة؛ يقرأون منها في صلاتهم ؟!!

الجواب:

دلت النصوص الشرعية على أن صفة صلاة جميع المرسلين -عليهم السلام- هي ذات الصفة التي علمنا إياها رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ من حيث القيام والركوع والسجود؛ على وجه الإجمال؛ لا التفصيل، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّ جميع المرسلين -عليهم السلام- ليلة الإسراء، قال صلى الله عليه وسلم: (فحانت الصلاة فأممتهم) [رواه مسلم (١٧٢)]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنا معشر الأنبياء أُمِرنا بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) [صححه الألباني في صفة الصلاة (٨٧)] !!

وقد جاء في كتاب الله ما يدل على أن صفة صلاة الرسل -عليهم السلام- وأتباعهم الكرام؛ كانت ذات قيام وركوع وسجود، قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: ٢٦]، وقال تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣] !!

ثم حصل أن أشرك اليهود والنصارى -بعد أن أقدموا على تحريف كتبهم- فخسروا عندها أعظم صلة برب العالمين -الصلاة التي عظّمها الله تعالى فقال: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: ١٤]-، قال أهل التفسير: “وأقم الصلاة لتذكرني فيها” .. خسروا الصلاة الصحيحة لشركهم؛ وفساد عقائدهم؛ وتزيين الشيطان لهم صلاة غير مقبولة عند الله؛ لمخالفتها صفة صلاة المرسلين !!

بل ازداد هؤلاء الضالون ضلالا؛ فذهبوا يسخرون من صلاتنا، قال تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} [المائدة: ٥٨] !!

وللدلالة على بطلان صلاة الكافرين -من جميع المِلل الضالة- دعونا ننظر إلى صلاة النصارى المبتَدَعة كمثال:

يقرأ الكاهن في صلاة النصارى على رغيف من خبز وكأس من خمر؛ ليستحيل هذا الخبز -بالقراءة عليه زعموا- إلى جسد إلههم عيسى؛ والخمر إلى دمه .. ثم يُطعِم الكاهن الحضور في الكنيسة من هذا الخبز وذلك الخمر؛ ليتباركوا بأكل جسد الإله وشرب دمه؛ تعالى الله عمّا يقول ويفعل الكافرون في صلاتهم المبتَدَعة علوا كبيرا !!

لكن رحمة الله بهؤلاء المشركين -المنقطعين عن الصلاة الحقة الصحيحة- تتجلى في وجوب دعوتنا لهم إلى الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (بلِّغوا عنِّي ولو آيةً) [رواه البخاري (٣٤٦١)]، خاصة مع علمنا أنهم من أهل النار؛ إذا ماتوا على ما هم عليه، قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفْسُ محمدٍ بيدِهِ، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمةِ، لا يهودِيٌّ، و لا نصرانِيٌّ، ثُمَّ يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كان من أصحابِ النارِ) [رواه مسلم (١٥٣)]؛ علّهم -إذا شاء الله تعالى لهم الهداية- أن يعودوا إلى الصلاة المقبولة عند الله تعالى؛ بدلا من تلك التي ابتدعوها !!

إذ بعد بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم لا تصح الصلاة من البشرية جمعاء؛ إلا بالاستسلام لله تعالى؛ ثم الانقياد لقوله صلى الله عليه وسلم: (صَلُّوا كما رَأَيْتُموني أُصلِّي) [رواه البخاري (٦٣١)] !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

ما حجم الخُسران الذي يقع على كل من انقطع عن الصلاة الحقة الصحيحة لرب العالمين ؟

الجواب:

يمكننا معرفة ذلك الخُسران المبين الذي يقع عليهم؛ باستعراض النصوص الشرعية؛ وما حملته من بشائر للمصلين من المسلمين؛ فبضدها تتميز الأشياء، وأضرب على ذلك مثالا لبُشرى واحدة:

دخول الجنة:

أهل الإسلام يحافظون على صلواتهم؛ ويستبشرون -أثناء صلاتهم- بأن الله تعالى سيدخلهم الجنة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ • أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ • الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: ٩-١١] !!

وأمّا الذين انقطعوا -بسبب شركهم- عن الصلاة الحقة الصحيحة؛ فإن خسارتهم فادحة؛ وهي دخول النار، قال تعالى: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ • فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ • عَنِ الْمُجْرِمِينَ • مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ • قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: ٣٩-٤٣] !!

هنيئا لنا أمة الإسلام .. إن البشائر لمقيمي الصلاة منا كثيرة، فحري بالمسلم -كلما مرت عليه بُشرى من كلام ربه في الصلاة؛ كدخول الجنة مثلا- حري بالمسلم أن يخشع في صلاته؛ وتدمع عيناه فرحا بهذه البشرى العظيمة، فالله تعالى لا يخلف الميعاد .. وهكذا يفعل في صلاته مع باقي البشائر !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وهدانا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفة الصلاة المقبولة عند الله تعالى !!

اللهم أتمم النصر بتحرير المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..