الحلقة التاسعة والثمانون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: ١٥]، قال ابن السعدي في تفسير نفيس للآية الكريمة: “يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه: فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا .. فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم -بها-، لما استعدوا لأي عمل كان .. فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة؛ فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل -لهم- من الرزق والنعم شيء”، إلى أن قال: “ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره” [تفسير السعدي (٦٨٧)] !!
كم هي بحاجة مجتمعات الحضارة المادية إلى تحقيق عبودية الله تعالى الحقة؛ والافتقار إليه ؟! خاصة والحرائق المهلكة تجتاحهم؛ والأعاصير تلو الأعاصير تتعاقب عليهم؛ والدمار الناتج على إثر هذه الكوارث يكبدهم خسائر فادحة في الأرواح والأموال !!
غير أن هناك ما يصد تلك المجتمعات عن العبودية الحقة لله تعالى؛ وهو ما ورثته من انحطاط وكفر -من أسلافها- في التعامل مع الله تعالى؛ حين وصفوه بالفقير -تعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا-، حكى لنا ذلك القرآن الكريم: {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: ١٨١] !!
فلا غرابة إذن أن تتجرأ مقدمة حفل خاص بالأفلام الفائزة في هوليوود فتقول: إن فيلم “الله خالق الكون”؛ حصل على صفر من الأصوات، معللة ذلك بسبب عدم إيمان مدينتها -لوس أنجلوس- بالله، ليضج الحضور بعد ذلك بالسخرية والضحك من كلامها الأثيم !!
والذي ينبغي أن يدركه الناس جميعا أن الله تعالى توعد المجتمعات التي لا تعترف لله بالغِنى المطلق؛ وتظن أنه لا حاجة لها إلى الافتقار إليه؛ توعدهم بالهلاك؛ والإتيان بقوم آخرين يطيعونه ويعبدونه وحده، جاء ذلك في الآية الكريمة التي تلت الآية -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ • إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [فاطر: ١٥-١٦] !!
وقد عرض لنا القرآن الكريم مظاهر كثيرة لأفراد وأقوام ممن اعتقدوا عدم افتقارهم إلى الله تعالى، كما عرض لنا كيف عذبهم في الدنيا؛ قبل عذاب الآخرة .. وهي مظاهر تنطبق على مجتمعات الحضارة المادية في عصرنا، من ذلك:
أولا: اعتقاد الاستغناء عن الله تعالى بسبب التفوق العسكري:
قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: ١٥] !!
كانت تلك عادا الأولى، وفي عصرنا برزت عاد من جديد بفكر استكباري أطلقوا عليه: الإمبريالية؛ جاء في تعريفها: “سياسة أو آيديولوجية تهدف لتوسيع نطاق حكم الشعوب والدول الأخرى؛ بُغية زيادة فرص الوصول السياسي والاقتصادي؛ وزيادة السلطة والسيطرة، ويكون ذلك غالبًا من خلال استخدام القوة الصارمة؛ وخاصة القوة العسكرية، ولكن أيضًا من خلال القوة الناعمة”، [المصدر: ويكيبيديا] !!
فماذا اقترفت الإمبريالية هذه الأيام ؟ لقد قامت بحرق مخيمات العُزّل من أهل غزة؛ فلجأ الغزاويون إلى خالقهم مفتقرين إليه؛ فأنزل السكينة عليهم .. وفي المقابل اشتعلت الحرائق في لوس أنجلوس؛ فلجأ المسؤولون إلى عتادهم وعدتهم؛ واختلفوا فيما بينهم؛ وأخذوا يتلاومون بتبادل التهم: من المقصر في منع الحرائق ؟ -والحرائق قدر الله عليهم- وهذا الخذلان بينهم إنما هو جزاء وفاقا لفرارهم عن الغني الحميد؛ وعدم افتقارهم إليه !!
ثانيا: اعتقاد الاستغناء عن الله تعالى بسبب التفوق العلمي:
قال تعالى (حكاية عن قارون): {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي} [القصص: ٧٨] !!
لقد فاق أرباب الحضارة المادية -في هذا العصر- قارون وأمثاله بمراحل في ادعائهم الإحاطة العلمية؛ وعدم افتقارهم إلى الله تعالى، فشرّعوا لتعاملاتهم؛ واقتصادهم؛ وسياساتهم؛ وحياتهم الاجتماعية؛ وحصروا العلاقة مع الله -في دينهم المحرّف -في الشعائر التعبدية المحضة !!
ثم ماذا وقع لقارون ؟ خسف الله تعالى به وبداره الأرض، ولم ينقذه علمه .. وفاز الذين افتقروا إلى الله تعالى .. وفي هذا نذير لكل مجتمع مستغن عن الله؛ متفاخرا بتفوّقه العلمي !!
ثالثا: اعتقاد الاستغناء عن الله تعالى؛ عند حلول الكوارث؛ فلا يتوبون ولا يتضرعون:
قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ٤٣] !!
بالرغم من انتشار الحرائق المخيفة في مدينة لوس أنجلوس -أكثر من أسبوع- قال المسؤولون بعنجهية -والحريق قائم- في مؤتمر صحفي: سنعيد بناء لوس أنجلوس؛ كما أعدنا بناءها بعد زلزال (Northridge) عام ١٩٩٤ من الميلاد .. كلام لا توبة فيه ولا تضرع إلى الجبار -خاصة في الإعلام-، يعِدون بإعادة بناء مدينتهم -التي تضم هوليوود-؛ ليستأنفوا ضخ أفلام الفساد والرذيلة !!
ولو أنهم تابوا وأنابوا وتضرعوا إلى الغني سبحانه لرحمهم؛ ولو بمطر يطفئ ذلك الحريق الضاري !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وأبان لنا فيه غِناه المُطلق سبحانه؛ وافتقار الخلق جميعا إليه !!
اللهم أتمم النصر بتحرير المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..