التأمل المفيد (٤٠٧)

الحلقة الثامنة والثمانون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الأنفال: ٤٣] !!

ألا ما أعظم قدرة الله تعالى على كل خلية من خلايا الإنسان: خلايا سمعه وبصره؛ وكافة أنظمة جسده ! والآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا}؛ تحدثنا عن رؤيا رآها صلى الله عليه وسلم في المنام -لا يقدر على أن يريه صلى الله عليه وسلم إياها في المنام إلا خالقه العظيم- لتشكل جزءا من النصر المعنوي في معركة فاصلة من معارك الإسلام الخالدة .. وهو مثال واحد فقط من بين أمثلة كثيرة على قدرة الخالق سبحانه على الإنسان من داخله، فمشيئة الله تعالى المطلقة فوق السنن التي أجراها سبحانه لتعمل داخل جسد الإنسان !!

ونحن حين نقف مع هذه الآية الكريمة؛ فإننا نندهش من أسلوب القرآن العظيم: حيث لا يحدثنا عن تفاصيل خلق الله البديع للدماغ مثلا؛ وخلاياه العصبية المليارية، كما لا يحدثنا عن مكونات السمع والبصر والفؤاد، ليس لأن ذكر ذلك غير مهم .. كلا .. كلا .. إنما يتركها ليتحدث عمّا هو أهم وأعظم، إنه الحديث: إمّا عن أثر هذه النِعم على حياة الإنسان؛ لعلّه يكون من الموحدين الطائعين الشاكرين -وقد أفردت لذلك مقالا في السابق-، أو عن قدرته تعالى على التأثير على جسد الإنسان ومكوناته وخلاياه؛ الذي هو موضوع هذا المقال !!

هذا، وإن من ثمرات طرح هذا الموضوع: أن يدرك المسلم أن الكافرين -الذين لا يحسبون حسابا لقدرة الله تعالى على أخذ مجتمعاتهم بالعذاب لكفرهم؛ كالريح الصرصر مثلا- أبعد ما يكونون عن الإيمان بقدرة الله تعالى على أن يأتيهم من داخل أنفسهم، وقد صرح القرآن الكريم بذلك عن يهود بني النضير؛ الذين لم يحسبوا أن الله تعالى قادر على أن يطالهم، قال تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحش: ٢]، وقد عاصر المسلمون هذه الأيام؛ الرُعب الذي أصاب قلب عدو لله تعالى لدود؛ ففر بجلده؛ تاركا خلفه جنده وعتاده !!

وفيما يلي استعراض لبعض نصوص الكتاب الكريم؛ والسنة المطهرة؛ عن قدرته سبحانه على التأثير على الإنسان من داخله: على عقله؛ وسمعه؛ وبصره؛ وقلبه؛ ويديه؛ ورجليه؛ ومشاعره وأحاسيسه؛ متدرجا في العرض من التأثير على المشاعر والأحاسيس؛ وصولا  إلى الإماتة، فأقول وبالله التوفيق:

أولا: خلق مشاعر الإنسان وأحاسيسه:

قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ} [النجم: ٤٣]، قال أهل التفسير: “وأنه سبحانه وتعالى أضحك مَن شاء في الدنيا بأن سرَّه، وأبكى من شاء بأن غَمَّه” !!

ثانيا: إلقاء النعاس على المؤمنين عند مواجهة العدو:

قال تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ} [الأنفال: ١١]، قال أهل التفسير: “إذ يُلْقي الله عليكم النعاس أمانًا منه لكم من خوف عدوكم أن يغلبكم” !!

ثالثا: تثبيت قلوب المؤمنين:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧] !!

مَنْ غير الله تعالى يملك هذه القلوب؛ فيثبتها عند لقاء العدو؛ ويثبت معها الأيدي والأقدام !!

رابعا: قذف الرعب في قلوب أعداء الله تعالى:

قال صلى الله عليه وسلم: (نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ) [متفق عليه] !!

خامسا: تسليط الشياطين على الكافرين:

قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: ٣٦]، قال أهل التفسير: “ومن يُعْرِض عن ذكر الرحمن -وهو القرآن- فلم يَخَفْ عقابه؛ ولم يهتد بهدايته؛ نجعل له شيطانًا في الدنيا يغويه؛ جزاء له على إعراضه عن ذكر الله؛ فهو له ملازم ومصاحب يمنعه الحلال، ويبعثه على الحرام”، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: ٨٣] !!

سادسا: تسليط الأمراض على بعض أجساد أفراد المجتمعات الإباحية:

قال صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لمً تكن في أسلافهم الذين مضوا) صححه الألباني [صحيح الترغيب (2187)] !!

سابعا: الذهاب بأجزاء من جسد الإنسان؛ كسمعه وبصره وقلبه:

قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ} [الأنعام: ٤٦]، قال أهل التفسير: “قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: أخبروني إن أذهب الله سمعكم فأصمَّكم، وذهب بأبصاركم فأعماكم، وطبع على قلوبكم فأصبحتم لا تفقهون قولا، أيُّ إله غير الله جل وعلا يقدر على ردِّ ذلك لكم؟” !!

ثامنا: الأخذ بالموت:

قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: ٤٤]، قال أهل التفسير: “وأنه سبحانه أمات مَن أراد موته مِن خلقه، وأحيا مَن أراد حياته منهم، فهو المتفرِّد سبحانه بالإحياء والإماتة” !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وأبان لنا فيه عن قدرته سبحانه على التأثير على جسد الإنسان ومكوناته !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..