الحلقة الثامنة عشرة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٩] !!
على إثر الإبادة الجماعية للمسلمين في غزة؛ وتفاعل كثير من أفراد المجتمعات المادية إيجابيا مع مأساتها؛ اهتم أعداء الإسلام -المؤيدون للكيان الغاصب- للسعي حثيثا لشراء منصة التك توك من الصين -والتي يستخدمها الكثير في أمريكا لفضح جرائم الإبادة الجماعية في غزة- آملين مع إبرام الصفقة أن تتغير رواية الحرب الظالمة لصالح المعتدين الغاصبين !!
وإذا كان ذلك هو اهتمامهم؛ بإخراج شهادة زور كاذبة -عن طريق منصات التواصل- على الجرائم التي اقترفوها في غزة؛ فإنني أرغب في نقل القارئ الكريم -الذي يتفطر قلبه ألما من هذه المجازر- إلى المعنى العظيم الذي حملته الآية القرآنية -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}؛ وهو أن أكبر شاهد بيننا وبين القوم المجرمين هو الله تعالى، فهو سبحانه يشهد على ظلم الظالمين؛ ويشهد لأهل الحق بحقهم !!
بيد أن هناك معنى عظيما في الآية الكريمة التي نتأملها في هذا المقال؛ استنبطه الإمام ابن سعدي، قال رحمه الله: “{قُلِ اللَّهُ} أكبر شهادة، فهو {شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فلا أعظم منه شهادة، ولا أكبر، وهو يشهد لي بإقراره وفعله، فيقرني على ما قلت لكم، كما قال تعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}، فالله حكيم قدير، فلا يليق بحكمته وقدرته أن يقر كاذبا عليه، زاعما أن الله أرسله ولم يرسله، وأن الله أمره بدعوة الخلق ولم يأمره، وأن الله أباح له دماء من خالفه، وأموالهم ونساءهم، وهو مع ذلك يصدقه بإقراره وبفعله، فيؤيده على ما قال بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة، وينصره، ويخذل من خالفه وعاداه، فأي: شهادة أكبر من هذه الشهادة؟” [تفسير السعدي (٢٥٢)] !!
ألا ما أعظمه من معنى لاسم الله تعالى (الشهيد): وهو أن الله تعالى لا يشهد لأهل الحق فقط؛ بل وينصرهم ويؤيدهم كذلك، ويشهد على أهل الباطل؛ ويخذلهم ويذلهم .. وهو معنى يحصل به التفريق بين شهادة الله تعالى -المحيط بكل شيء علما وقدرة- وبين الشهادة التي تعارف عليها البشر، حيث لا تتعدى شهادتهم -على بعض- أن تكون إقرارا بمشاهدة أو سماع حدث ما -في نطاق سمعهم وبصرهم المحدود- ليس أكثر !!
والسؤال الذي يطرح نفسه:
ما هي بعض الآيات القرآنية التي تبين شهادة الله تعالى على الناس، وكذلك الآيات الدالة على تأييد الله تعالى لمن شهد لهم بالحق؛ وخذلان وتبكيت المُبطِلين ؟
الجواب:
أولا:
شهادة الله تعالى على ما هو أصغر من مثقال الذرة من أعمال الناس:
قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس: ٦١] !!
ورد ما يدل على اسم الله تعالى (الشهيد)؛ في الآية الكريمة الآنفة الذكر في قوله تعالى: {إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} !!
وقد بيّن لنا الله -(الشهيد)-؛ أنه يجازي الناس على أعمالهم مهما صغرت، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ • وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧-٨]، قال أهل التفسير: “من يعمل وزن نملة صغيرة خيرًا؛ ير ثوابه في الآخرة، ومن يعمل وزن نملة صغيرة شرًا؛ ير عقابه في الآخرة” !!
ثانيا:
شهادة الله تعالى على تعذيب أصحاب الأخدود للمؤمنين، ويدخل في ذلك شهادته سبحانه على حرب الإبادة في غزة:
قال تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ • الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج: ٨-٩] !!
ورد اسم الله تعالى (الشهيد)؛ في الآية الكريمة الآنفة الذكر في قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) !!
وقد بيّن لنا الله -(الشهيد)-؛ بأنه سيجازي أصحاب الأخدود على جرائمهم -وكذلك من شابههم كالكيان الغاصب؛ ومن يسانده؛ حتى بعد توقف الحرب-؛ وتوعدهم بالعذاب الأليم في الآخرة؛ إلا أن يتوبوا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: ١٠] !!
ثالثا:
شهادة الله تعالى على النساء في أمر الحجاب؛ سواء أمتثلنه أو تركنه:
قال تعالى: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ۗ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب: ٥٥]، قال أهل التفسير: “لا إثم على النساء في عدم الاحتجاب من آبائهن وأبنائهن وإخوانهن وأبناء إخوانهن وأبناء أخواتهن والنساء المؤمنات والعبيد المملوكين لهن؛ لشدة الحاجة إليهم في الخدمة. وخفن الله -أيتها النساء- أن تتعدَّيْن ما حَدَّ لكنَّ، فتبدين من زينتكن ما ليس لكُنَّ أن تبدينه، أو تتركن الحجاب أمام مَن يجب عليكن الاحتجاب منه. إن الله كان على كل شيء شهيدًا، يشهد أعمال العباد ظاهرها وباطنها، وسيجزيهم عليها” !!
ورد اسم الله تعالى (الشهيد)؛ في الآية الكريمة الآنفة الذكر في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) !!
وقد بيّن لنا الله -(الشهيد)-؛ بمجازاته النساء إن هن تركن الحجاب، جاء ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أمتي لم أرهما بعد، نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلاتٌ، على رؤوسِهن مثلُ أسنمةِ البختِ، لا يدخلن الجنةَ ولا يجدن ريحَها .. الحديث) [صححه الألباني في التعليقات الحسان (٧٤١٨)] !!
وبعد، فهذا هو الأثر الإيماني العظيم لتدارس بعض آيات القرآن الكريم لمعنى من معاني اسم واحد لله تعالى: (الشهيد)، فكيف عساه يكون الأثر الإيماني على قلوبنا؛ إن نحن أولينا أسماء الله تعالى الحسنى العناية الواجبة تجاهها -حفظا، وفهما، وتعبدا، ودعاء؛ كما قال أهل العلم في معنى الإحصاء لها-، قال صلى الله عليه وسلم: (للهِ تبارَك وتعالى تِسعةٌ وتسعونَ اسمًا مَن أحصاها دخَل الجنَّةَ) [متفق عليه] ؟!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه أنه سبحانه على كل شيء شهيد !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..