التأمل المفيد (٤٣٥)

الحلقة السادسة عشرة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [فصلت: ١٧]، قال أهل التفسير: “وأما ثمود قوم صالح فقد بينَّا لهم سبيل الحق وطريق الرشد، فاختاروا العمى على الهدى، فأهلكتهم صاعقة العذاب المهين؛ بسبب ما كانوا يقترفون من الآثام بكفرهم بالله وتكذيبهم رسله” !!

إليك أخي القارئ الكريم بَدَهية لا يختلف عليها الناس أبدا؛ ولا تحتاج إلى أدلة أو برهان:

الكفيف الذي يرفض أن يقوده أحد؛ ويمشي في طريق تقطعه حتى الحافلات؛ كثير المنعطفات؛ ولا يخلو من عوائق أخرى يتجنبها المبصرون؛ ومع ذلك فهو مصرّ على السير لوحده بدون هاد يهديه؛ هذا الكفيف حتما سيلقى حتفه في نهاية المطاف؛ إلا أن يعود إلى صوابه؛ ويتخذ دليلا يقوده !!

إذا أدركنا الخطر المحدق بذلك الكفيف العنيد؛ فإن هناك عمى أشدّ وأخطر وأفظع منه، إنه العمى عن هدى رب العالمين؛ المفضي إلى هلاك حتمي مهين، إذ هو يهوي بالمجتمع؛ وليس بفرد واحد كحال ذلك الكفيف، وهو ما فعلته ثمود -قوم صالح- حين رفضوا الهدى واختاروا العمى، قال تعالى في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}؛ فتخبطوا في عماهم حتى هلكوا !!

ونحن نحتاج -والأمة تواجه غطرسة الكيان الغاصب؛ وداعميه من شتى الدول- إلى أن نستنبط من عمى ثمود قاعدة قرآنية مهمة عنوانها: (العمى عن هدى الله تعالى مُهلِك)؛ حتى لا نشك -ولو للحظة واحدة- في هلاك وزوال الكيان الأعمى الغاصب !!

وأمر آخر يرتبط بالقاعدة القرآنية: (العمى عن هدى الله تعالى مُهلِك)؛ نحتاج إلى أن نرسخه في نفس كل مسلم: وهو أن القوة المادية الهائلة للكيان الغاصب؛ ومن يدعمه؛ لا يُسمى تمكينا في الأرض .. أبدا .. أبدا .. إن الكفر بالله تعالى ليس تمكينا في الأرض، وقتل الأبرياء ليس تمكينا في الأرض، واغتصاب الأراضي كذلك ليس تمكينا في الأرض .. الأرض يورثها الله تعالى الصالحين من عباده؛ لتسعد البشرية معهم بهذا التمكين، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥]، قال أهل التفسير: “ولقد كتبنا في الكتب المنزلة من بعد ما كُتِب في اللوح المحفوظ: أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون الذين قاموا بما أُمروا به، واجتنبوا ما نُهوا عنه، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم” !!

وهكذا ورثت أمة الإسلام الأرض؛ لتستمر شُعلة رسالة التوحيد تضيئ للعالم الطريق؛ وتُسعده بقيمها الربانية، نعم قد تضعُف أمتنا في فترات؛ لكنها لا تموت ولا تزول؛ كما زالت وهلكت إمبراطوريات -كانت تصول وتجول وتستكبر- حين عميت عن هدى الله تعالى -كالحضارة الفرعونيّة، والفينيقية، والآشورية، والبيزنطية، والفارسية، وغيرها-، وستزول الحضارات المادية المعاصرة؛ ولقيطتها؛ الكيان الغاصب لا محالة؛ بحول الله تعالى وقوته !!

ومع يقيننا من كتاب ربنا بزوال الكيان الغاصب -لاختياره العمى على الهدى- إلا أننا ندرك أن زمن زواله وهلاكه لا يعلمه إلا الله تعالى، حتى الرسل عليهم السلام لم يعلموا أَجَل هلاك أقوامهم الكافرين، حكى لنا القرآن الكريم ما دار بين نوح عليه السلام وقومه، قال تعالى: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ • قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَاءَ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} [هود: ٣٢-٣٣]؛ هذا هو أدب الرسل عليهم السلام مع الله تعالى عند حديثهم عن موعد زوال وهلاك أقوامهم الكافرين، وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف: ٥٩] !!

وفيما يلي صورتان اثنتان فقط -من كتاب الله تعالى- عن النهايات البئيسة لليهود حين اختاروا العمى على الهدى:

أولا:

اختيار العمى على الهدى بتحريف كلام الله تعالى:

قال تعالى: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: ١٦] !!

اختيار العمى على الهدى دفع بإخوان القردة والخنازير -اليهود- إلى تحريف التوراة؛ ومنها تحريفهم للبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ جاحدين بذلك نبوته .. ومن تحريفات بعض المتأخرين من اليهود للبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ اعترافهم به كنبي؛ لكن زعموا أنه نبي للعرب، وهذا ما قاله اليهودي اليمني نثنائيل بن الفيومي -المتوفي عام ١١٦٥ من الميلاد- في كتاب: (حديقة العقول)، جاء فيه: “يعتبر الفيومي محمد نبياً صادقاً، غير أن رسالته موجهة إلى العرب” !!

فكيف كانت نهاية بني النضير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] !!

أمّا التحريف في التوراة الذي اعتمده الكيان الأعمى الغاصب في عصرنا؛ فهو استنادهم في الإبادة الجماعية القائمة في غزة على نصوص محرفة من كتبهم، وهذا من العمى عن هدى الله تعالى؛ وسيفضي ذلك إلى دمار الكيان وزواله لا محالة؛ في أَجَلٍ وموعد لا يعلمه إلا الله تعالى الواحد القهار !!

ثانيا:

اختيار العمى على الهدى بالاستكبار:

استكبر إخوان القردة والخنازير -اليهود- في غابر الزمان؛ فنكّل الله تعالى بهم، قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا} [الإسراء: ٥] !!

وكذلك توعد الله تعالى اليهود بالتنكيل بهم كلما عادوا إلى الاستكبار والفساد، قال تعالى: {عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: ٨]، قال أهل التفسير: “عسى ربكم -يا بني إسرائيل- أن يرحمكم بعد انتقامه إن تبتم وأصلحتم، وإن عدتم إلى الإفساد والظلم عُدْنا إلى عقابكم ومذلَّتكم” !!

 وها هم اليهود في الكيان الأعمى الغاصب؛ عادوا إلى الاستكبار والإفساد؛ والقتل الجماعي، وسيعود الله تعالى إلى إهلاكهم وعقابهم ومذلتهم لا محالة؛ في أَجَلٍ وموعد لا يعلمه إلا الله تعالى الواحد القهار !!

وبعد، فإن الله تعالى، الذي أهلك أمما كافرة سابقة؛ لاقترافها موبقة واحدة -كتطفيف قوم شعيب للميزان؛ وإتيان قوم لوط للذكران-؛ فكيف عساه يكون هلاك إخوان القردة والخنازير؛ وداعميهم في عصرنا؛ الذين اقترفوا -بعماهم عن الهدى- جميع الموبقات ؟! لا شك أن هلاكهم آت لا محالة؛ في أَجَلٍ وموعد لا يعلمه إلا الله تعالى الواحد القهار !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبيّن لنا فيه أن العمى عن هدى الله تعالى مُهلِك !!

اللهم كن للمستضعفين في غزة ناصرا ومؤيدا ومعينا .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..