الحلقة الرابعة عشرة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [العنكبوت: ٢٢]، قال أهل التفسير: قال أهل التفسير: “وما أنتم -أيها الناس- بمعجزي الله في الأرض ولا في السماء إن عصيتموه، وما كان لكم من دون الله مِن وليٍّ يلي أموركم، ولا نصير ينصركم من الله إن أراد بكم سوءًا” !!
الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-؛ تعد من إحدى أعظم الآيات التي تُرسِّخ في قلوب المؤمنين ضعف أعداء الإسلام -على اختلاف مِللهم ونِحلهم- أمام قوة الله تعالى وقهره؛ وأنهم لا يملكون تجنب غضبه تعالى وعذابه -إذا تمردوا عليه سبحانه- مهما بلغوا من القوة المادية؛ ومهما تفتقت أذهانهم عن ألوان المكر والخِداع، ذلك أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء !!
لقد مارس الكفار القُدامى سيلا من السُّبُل الضالة؛ والادعاءات الباطلة؛ ظانين أنهم بذلك في أمان من غضب الله، من ذلك:
احتماء عُبّاد الأصنام بأصنامهم لتنصُرهم؛ وتقيهم من عذاب الله، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} [يس: ٧٤] !!
فنفى الله تعالى قدرة الأصنام على نصر عُبّادها، قال تعالى: {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ} [يس: ٧٥]، وهزم الله المشركين يوم بدر، ذلك أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء !!
ومن ذلك: عاد -الذين خوفهم نبيهم هود عليه السلام من عذاب الله-، فاحتموا من غضب الله خلف قوتهم الجسدية والمادية -إذ هم إرم ذات العِماد-، قال تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: ١٥]، فلم تمنع عادا قوتُها من أن يطالهم عذاب الله تعالى الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؛ إذ أرسل عليهم سبحانه الريح العقيم !!
كذلك أرباب الحضارات المادية في عصرنا؛ جاءوا بألوان من الفلسفات الإلحادية؛ ظانين أنهم بذلك في منأى من غضب الله وعذابه، وذلك بعد رفضهم للرسالة الخاتمة؛ واتخاذهم الهوى إلها من دون الله، وفيما يلي أعرض لبعض هذه الفلسفات الإلحادية، فأقول وبالله التوفيق:
أولا:
فلسفة التخلي عن الله:
في كتاب بعنوان: (لقد تخلى الغرب المتغطرس عن الله، والحياة لم تعد كما كانت) (The arrogant West has abandoned God, and life isn’t the same)، تَعرّض الكاتب في كتابه لِما أفرزته الثورة الفلسفية -التي جاءت بعد العصور الوسطى- من فلسفات إلحادية؛ نقل منها مقولة: “الله في الأعلى، ونحن في الأسفل”، أي أن نفوذ الله تعالى في السماء فقط !!
وهذه فلسفة إلحادية تغلغلت في نفوس شعوب الحضارات المادية؛ بأن الله تعالى لا يتدخل في شؤون أهل الأرض -تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا- وبهذا ظنوا أنهم بمنأى عن عذاب الله؛ مهما طغوا وتجبروا واستعمروا وأذلوا غيرهم !!
وقد رد القرآن الكريم في مواضع كثيرة على هذه الفلسفة الإلحادية، من ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: ٨٤] !!
ولا يفوتني أن أذكر هنا فلسفة إلحادية أخرى تتماشى مع سياق فلسفة التخلي عن الإله -التي ذكرتها آنفا-، بل تزيد عنها بزعم استحالة معرفة الإنسان للإله، جاء ذلك في مقال بعنوان: (A Revelatory Moment about God)(لحظة كاشفة عن الله)، يطرح فيه كاتبه الملحد ما ظنه كشفا قد انكشف له -كما هو عنوان المقال- وما هي إلا لمّة ووسوسة من شيطانه !!
انكشف لهذا الملحد أن المخلوق الأدنى لا يمكنه معرفة المخلوق الأعلى، فقال: “لا يُمكن للنمِر أن يُدرك وجود ذكاء فائق، نعم، يُدرك النمِر -بدافع غريزي- أن هناك أشياءً يجب الانتباه إليها؛ لكنه لا يستطيع إدراك وجود من يستطيعون هندسة ناطحات السحاب؛ أو تجزئة الذرات” !!
يريد أن يقرر هذا الملحد: بما أن النمِر لا يمكنه معرفة الإنسان؛ فكذلك لا يمكن للإنسان معرفة الإله !!
لقد كذب هذا الملحد في كلامه هذا؛ وافترى إثمًا عظيمًا، فمعرفة الإنسان لربه وخالقه العظيم أمر فطري؛ فطر الله تعالى عليه جميع الناس؛ كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]، ويأتي الوحي ليرسّخ هذه المعرفة في نفسه؛ ويقوّم ما اعوجّ منها !!
هذه الفلسفة الإلحادية التي ظهرت في عصرنا -التخلي عن الله بزعمهم- لم تمنع عنهم عذاب الله تعالى في الدنيا، فالله سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [آل عمران: ٥٦]، وما تفكك الأُسر والانهيار المدوي للقيم في مجتمعاتهم؛ إلا ألوان من عذاب الله المسلط عليهم !!
ومن ألوان عذابهم: قتل الأفراد بعضهم بعضا، ومن ذلك: ما حصل -في يوم الأربعاء الماضي- من حادثة قتل المجرم النصراني الجمهوري المتطرف (Charlie Kirk) -الذي شتم رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ فأخذه الله تعالى بعذابه-، حيث قتله (Tyler Robinson)، وهو أمريكي نصراني أبيض؛ برصاصة واحدة أودت بحياته، ولعل ذلك اقتصاص من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم !!
ثانيا:
فلسفة التفوق العِرقي:
قرأت مقالا بعنوان: (The West’s Colonial Mindset Lives On: a Short History of Western Imperial Arrogance) (لا تزال العقلية الاستعمارية الغربية حية: تاريخ موجز للغطرسة الإمبريالية الغربية)؛ جاء فيه: “آمن جميع الإمبرياليون الغربيون -بمن فيهم النازيون- بأن من حقهم ومصيرهم ومهمتهم -كقادة لعرق متفوق وحضارة أسمى- إخضاع الدول -التي يُفترض أنها أدنى مرتبة؛ وأقل نموًا- لهيمنتهم المطلقة واستغلالهم لصالح الإمبراطورية” !!
لا يخفى على ذي بصيرة؛ أن الواقع العالمي اليوم يشهد تبني الحضارات المادية لفلسفة التفوق العرقي المتغطرسة، وأوضح مثال على ذلك تمكينهم الكيان الغاصب من احتلال فلسطين .. وقد سبق لليهود ممارسة هذه الفلسفة مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ حين رفضوا الإيمان به -كونه من جنس العرب- بالرغم من البشارة به في كتبهم، فأخذهم بالعذاب الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؛ ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم .. وسيأخذ الله -بحوله وقوته- الكيان الغاصب وداعميه عاجلا أو آجلا !!
وبعد، أين هذه الفلسفات الآثمة؛ والغطرسة الاستعمارية الباغية من عظمة حضارة الإسلام التي أسعدت البشرية بقيمها الربانية ؟! قال صلى الله عليه وسلم: (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ -: إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ، وآدمُ من ترابٍ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٢٧٠٠)] .. حضارة عرّفت الناس بخالقهم العظيم؛ لتسقط بذلك فلسفة الكفار بالتخلي عن الإله، كما جعلت تقوى الله ميزان التفاضل بين الناس؛ لتسقط بذلك فلسفة التفوق العِرقي !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبيّن لنا فيه أنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء !!
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم اليهود المجرمين الغاصبين .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..