الحلقة الحادية عشرة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: ٨١] !!
بيّن إبراهيم عليه السلام لأبيه وقومه -بما آتاه الله تعالى من حجة-؛ في الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال؛ والآية التي بعدها: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ • الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨١-٨٢]؛ بيّن لهم إبراهيم -عليه السلام- أن أحقّ الناس بالطمأنينة والسلامة والأمن؛ هم الموحدون؛ الذين لا يشركون مع الله آلهة أخرى، وأن المشركين -الذين لا يخافون الله رب العالمين- لا طمأنينة لهم ولا سلامة ولا أمن؛ بل هو الخوف والرعب الدائمين؛ على أنفسهم وأموالهم ومجتمعاتهم !!
ألا ما أحوج مجتمعات الحضارات المادية إلى الخوف من الله تعالى؛ إذن لزال عنهم كل خوف من غيره سبحانه .. كالخوف من الأزمات الاقتصادية .. والخوف من القتل على أيدي المجرمين .. والخوف من الحروب؛ الأهلية؛ والإقليميّة؛ والعالمية، وعليهم أن يدركوا أنه لا خروج لهم من هذه المخاوف وغيرها؛ ولن ينعموا بالطمأنينة والسلامة والأمن إلا بتوحيد الله تعالى؛ ونبذ الشرك؛ واتِّباع نهج الله القويم !!
والغريب والعجيب والمضحك في آن واحد؛ أن المجتمعات المادية لم تكتف بما أصابها من خوف ورعب -لشركها بالله تعالى- بل ذهبت لِتُوجِد خوفا مصطنعا؛ بإنتاج العشرات من أفلام الرعب، وهذا العمل لا يصدر إلا عن نفوس مريضة .. كما ابتدعوا عيد الهالوين؛ والذي من طقوسه ارتداء أزياء تنكرية؛ وإشعال الشموع -داخل ثمرة اليقطين المجوفة- لطرد الأرواح الشريرة -زعموا-؛ وينصبون في أفنية بيوتهم -في ليلة هذا العيد- أشكالا من الأشباح؛ تخيف المارة .. حقا إنهم قوم لا يعقلون !!
والسؤال الذي يطرح نفسه:
كيف يمنع الخوف من الله تعالى تلك المخاوف التي عمّت وطمّت في مجتمعات الحضارة المادية ؟
الجواب:
قال تعالى -آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول-: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: ١٥]، قال أهل التفسير: “قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين مع الله غيره: إني أخاف إن عصيت ربي، فخالفت أمره، وأشركت معه غيره في عبادته، أن ينزل بي عذاب عظيم يوم القيامة” !!
إن أعظم ثمرات الخوف من الله تعالى هو تحقيق التوحيد: طاعة الله تعالى فيما أمر؛ واجتناب ما عنه نهى وزجر؛ والبراءة من الشرك وأهله !!
وإن جميع المخاوف التي ترعب وتخيف مجتمعات الحضارة المادية -والتي ذكرت شيئا منها في مقدمة هذا المقال- لا تخرج عن كونها الثمرة المُرَّة التي يجنونها بسبب الوقوع فيما حرّم الله تعالى؛ وترك ما أوجبه عليهم؛ وذلك لشركهم ونبذهم شريعة رب العالمين !!
وأنا لن أتحدث عن المخاوف الكبيرة: كالأزمات الاقتصادية؛ أو مخاوف الحروب؛ أو الخوف من المجرمين وغيرها؛ فهذه مخاوف يدرك كل مسلم أن الإسلام عالجها بتشريعات ربانية حكيمة تحفظ للأفراد وللمجتمعات المسلمة أمنها واطمئنانها .. وهكذا ستنعم بهذه التشريعات المجتمعات المادية حين تستسلم لله رب العالمين؛ وتنقاد لشريعته سبحانه !!
إنما الذي سأطرحه هنا بعض المخاوف التي يشعر بها كل إنسان -سواء كان مسلما أو كافرا-، وهي مخاوف لا تنتج عن ارتكاب المحرمات؛ أو ترك الواجبات؛ كونها مخاوف نابعة من فِطرة الإنسان؛ لنرى كيف عالجها الإسلام وقدم لها الحل الأمثل، فأقول وبالله التوفيق:
أولا:
الفزع -الخوف- الذي قد يعتري أي إنسان؛ لسبب أو لغير سبب:
عن عبدالله بن عمرو، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يعلِّمُهم منَ الفزع: (أعوذُ بِكلماتِ اللَّهِ التَّامَّة من غضبِه وعقابِه وشرِّ عبادِه ومن همزاتِ الشَّياطينِ وأن يحضرونِ فإنَّها لن تضرَّهُ) [حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١٦٠١)] !!
أقول، من سِوى المسلم يذكر كلمات؛ علّمه إياها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ ليذهب عنه الفزع ؟!!
ثانيا:
الخوف عند اتخاذ القرارات:
حديث الاستخارة الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والذي يحفظه غالب المسلمين [رواه البخاري (٧٣٩٠)]:
اتخاذ القرارات يُقلِق أصحابها؛ إلا المسلم؛ فإنه إذا أراد أن يقرر في أمر؛ عمل كل ما بوسعه لتحديد القرار الأقرب للصواب -بالاستشارة وغيرها- ثم يشرع في استخارة رب الكون لهدايته فيما اختار من قرار؛ إمّا أن يقدِّره له؛ أو يصرفه عنه .. ومن عساه لا يشعر بارتياح إذا كان مطمئنا إلى أن ربه سيهديه للخير فيما استخاره ؟!
ثالثا:
الخوف عند لقاء العدو:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا خاف قومًا قال: (اللهمَّ إنَّا نجعلُكَ في نحورهم، ونعوذُ بكَ من شرورهم) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٤٧٠٦)] !!
أقول، من سِوى المسلم يذكر كلمات؛ علّمه إياها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ ليكفيه الله تعالى من شر عدوه؛ ومن شر كيده ؟!!
رابعا:
الخوف عند اشتداد الريح:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كان صلى الله عليه وسلم إذا هاجت ريحٌ شديدةٌ قال: (اللَّهمَّ إنِّي أسألُك من خيرِ ما أُرسِلت به، وأعوذُ بك من شرِّ ما أُرسِلت به) [رواه مسلم (٨٩٩) !!
سيطرت أخبار الريح الشديدة في البحر الكاريبي خلال الأيام القليلة الماضية -بسبب إعصار (Erin)(إيرين) المحاذي للساحل الشرقي لأمريكا-؛ سيطرت أخبار الإعصار على غالب قنوات الإعلام الأمريكي .. والمؤسف أنهم مع خوفهم من شدة الريح؛ لم يفزعوا إلى الله وحده ليصرف عنهم شر هذه الريح -كما يفعل المسلمون، أو كما كان يفعل المشركون القُدامى، قال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: ٣٢]-، كلا، لم يفعلوا ذلك، واكتفوا بالتحذيرات وأخذ احتياطات السلامة .. فالحمد لله على نعمة الإسلام !!
ما أوردته من أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمواجهة بعض حالات الخوف؛ نقلته من كتاب حصن المسلم للشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني -رحمه الله تعالى-، ويبقى في الكتاب الكثير من الأذكار التي يحتاجها المسلم في كافة أعماله؛ في يومه وليلته !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبيّن لنا فيه أن الخوف من الله تعالى يجلب الطمأنينة والسلامة والأمن للأفراد والمجتمعات !!
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم اليهود المجرمين الغاصبين .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..