التأمل المفيد (٤٢٧)

الحلقة الثامنة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!*

قال الله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} [الزخرف: ٧٩]، قال الإمام السعدي: “أم أبرم المكذبون بالحق المعاندون له {أَمْرًا} أي: كادوا كيدا، ومكروا للحق ولمن جاء بالحق، ليدحضوه، بما مَوَّهوا من الباطل المزخرف المزوق، {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} أي: محكمون أمرا، ومدبرون تدبيرا يعلو تدبيرهم، وينقضه ويبطله” [تفسير السعدي] !!

كيد الكفار لهذا الدين وأهله؛ وما يبرمون من مكر لصد الناس عن الحق؛ كما جاء في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: قال تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}؛ ليس مقصورا على زمن دون زمن؛ بل هو ديدنهم قبل مبعث النبي العدناني محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ وبعده؛ وإلى قيام الساعة، قال تعالى: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا} [الرعد: ٤٢] !!

وممّا أصبح معلوما للكثير من المسلمين؛ ما يُتداول على منصات التواصل -بين الفينة والأخرى- من تقارير صادرة عن مراكز دراسات تابعة لدول الحضارات المادية؛ تُطرح فيها خططهم لمواجهة الإسلام، وهي تقارير القصد منها بث الرعب في المجتمعات الإسلامية؛ وثنيها عن مزاولة حقها المشروع في الدعوة إلى الله تعالى؛ وإخراج تلك المجتمعات المادية من الظلمات إلى النور !!

ونحن أهل الإسلام لا ننتظر تقارير تلك المراكز لنعرف حجم كيدهم، فقد كفانا الوحي المطهر عناء البحث عن أنواع كيد الكائدين لهذا الدين، إذ ذكره الله تعالى مجملا تارة، قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: ٣٠]، وفصّله في تارات أخرى، قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: ٥٥] -كما سيأتي بيانه-، بل زاد وكشف لنا سبحانه أمورا متعلقة بحال الكائدين وهم يزاولون مكرهم؛ من ذلك:

أنهم يجهلون السنن الإلهية التي لا تتبدل ولا تتحول، منها سنة ترتبط بمكرهم: وهي أن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله، قال تعالى: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: ٤٣] !!

وأنهم لا يشعرون بمكر الله تعالى بهم، قال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: ٥٠]، فهل أمِنوا مكر الله تعالى بهم؛ حين لم يشعروا بكيده لهم، قال تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [النحل: ٤٥] ؟!!

وأنهم لا يؤمنون بِعِلمِ الله تعالى بسرهم ونجواهم؛ أثناء التخطيط لمكرهم، قال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: ٨٠] !!

والأعجب والأغرب من كل ما سبق؛ اتهامهم المؤمنين بأنهم هم الذين يدبرون المكائد، قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ١٢٣] !!

وإنه لمن ضحالة العقول أن يكيد أعداء الله تعالى -وهم بشر مخلوقون- لدين نزل من عند خالقهم؛ وخالق السماوات والأرض وما فيهما؛ الله العزيز الحكيم، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: ٣٢] !!

وبالرغم من شدة مكر أعداء الدين؛ إلا أن الصبر وتقوى الله تعالى؛ الذي جاء الأمر بهما ثلاث مرات؛ في سورة آل عمران، قال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} [آل عمران: ١٢٠]، وقال تعالى: {بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} [آل عمران: ١٢٥]، وقال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} [آل عمران: ١٨٦]، أقول إن الصبر وتقوى الله تعالى هما الحصن الحصين من نفوذ مكائد الأعداء إلى المجتمعات الإسلامية؛ وتأثيرها السلبي عليها !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

ما أنواع الكيد؛ الذي يكيد به أكابر المجرمين -من غير المسلمين؛ خلال تاريخ البشرية الطويل- للإسلام وأهله؛ والتي واجهها المؤمنون بالصبر والتقوى:

الجواب:

أنواع كيد الكافرين كثيرة، من ذلك:

أولا:

الحصار والتجويع:

جاء في السيرة النبوية: (وحُبس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه في شعبِ أبي طالب ليلةَ هلالِ المحرَّم سنةَ سبعٍ من البِعثة، وعُلِّقت الصحيفة في جوف الكعبة، وبقُوا محبوسين محصورين مُضيَّقًا عليهم جدًّا مقطوعًا عنهم المِيرة والمادة نحو ثلاث سنين، حتى بلغهم الجَهدُ وسُمِع أصواتُ صبيانهم بالبكاء من وراء الشعب) [زاد المعاد (٣/ ٢٧)] !!

ثانيا:

قتل بعض الأنبياء عليهم السلام؛ ومحاولة قتل البعض الآخر؛ وقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين:

قال تعالى: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: ٩١] !!

وقد حاول نفر من المنافقين اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء رجوعه من غزوة تبوك !!

وقُتِل الفاروق؛ وذو النورين -عثمان-؛ وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين !!

وقد جهل المجرمون أن قتل الأنبياء لا يطفئ نور الإسلام، قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: ١٤٤] .. وكذلك لم يُطفأ نور الإسلام بقتل الخلفاء الراشدين الثلاثة !!

ثالثا:

إخراج المؤمنين من أرضهم:

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [ابراهيم: ١٣] !!

رابعا:

الكيد بالسحر:

قال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ • قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ} [طه: ٦٥-٦٧] !!

وسُحِر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد اليهودي لبيد بن الأعصم، في الحديث: (سَحَرَ النبيَّ رجلٌ مِن اليهودِ، فاشتكى لذلك أيامًا، فأتاه جبريلُ فقال: إن رجلًا مِن اليهودِ سَحَرَك، عَقَدَ لك عُقَدًا في بِئْرِ كذا وكذا. فأَرَسَلَ رسولُ اللهِ فاستخْرَجوها، فجِيءَ بهم، فقام رسولُ اللهِ كأنما نَشِطَ مِن عِقال) [صححه الألباني في صحيح النسائي (4080)] !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه أنواع كيد الكائدين لدين الله تعالى وأهله !!

اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم اليهود المجرمين الغاصبين .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..