التأمل المفيد (٤٢٤)

الحلقة الخامسة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: ١٥] !!

قال الشيخ ابن السعدي في تفسير الآية: “ومعنى هذه الآية: يا أيها المعادي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، الساعي في إطفاء دينه، الذي يظن بجهله، أن سعيه سيفيده شيئا، اعلم أنك مهما فعلت من الأسباب، وسعيت في كيد الرسول، فإن ذلك لا يذهب غيظك، ولا يشفي كمدك، فليس لك قدرة في ذلك، ولكن سنشير عليك برأي، تتمكن به من شفاء غيظك، ومن قطع النصر عن الرسول -إن كان ممكنا- ائت الأمر مع بابه، وارتق إليه بأسبابه، اعمد إلى حبل من ليف أو غيره، ثم علقه في السماء، ثم اصعد به حتى تصل إلى الأبواب التي ينزل منها النصر، فسدها وأغلقها واقطعها، فبهذه الحال تشفي غيظك، فهذا هو الرأي: والمكيدة، وأما ما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنك تشفي بها غيظك، ولو ساعدك من ساعدك من الخلق. وهذه الآية الكريمة، فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى” [تفسير السعدي] !!

نحن بحاجة -في عصر تكالب فيه الأعداء على حرب الإسلام وأهله- إلى أن نرسّخ في نفوسنا ما نزل من الوحي المطهر -من آيات كريمات تحمل في مضمونها التحدي الرباني العظيم للمكذبين المناوئين لدين الإسلام- ليزداد المؤمنون بهذه الآيات اعتزازا بدينهم؛ كتلك العزة التي وقرت في نفس الفاروق -رضي الله عنه- حتى قال: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره، أذلنا الله” [مرآة الزمان (٥/ ٢١٣)] !!

 والمتأمل في كتاب الله تعالى يندهش من طول خطاب التحدي للمتمردين المكذبين؛ ومجالاته المختلفة -كما سيأتي بيانه-، لعلّ فِطرهم تستجيب لهذا اللون من الخِطاب، وما الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-؛ إلا مجال واحد مدهش من مجالات وصور التحدي في القرآن الكريم !!

كذلك يجد المتأمل في كتاب الله تعالى أن كل مجال من مجالات آيات التحدي للمكذبين إنما جاءت للتدليل على اسم أو أكثر من أسماء الله تعالى الحسنى، ولذلك نجد الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}؛ تضمنت بيان أثر اسم الله تعالى (النصير)؛ لتمتلئ أفئدة المؤمنين ثقة بنصر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ وللأمة المسلمة من بعده؛ إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها !!

وفيما يلي أعرض لبعض مجالات التحدي للمكذبين؛ التي جاءت في كتاب الله تعالى، فأقول وبالله التوفيق:

المجال الأول:

تحدي المكذبين بأن الله تعالى -(الحفيظ)- سيحفظ كتابه الكريم؛ فلا تصل إليه أيدي التحريف والتبديل .. وحِفظُ الله تعالى لكتابه الكريم سبب رئيس في انتشار دين الإسلام؛ بالرغم من شراسة كيد الأعداء له !!

قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] !!

وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: ٨] !!

وقال صلى الله عليه وسلم: (ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يترُكُ اللَّهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخَله اللَّهُ هذا الدِّينَ) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣)] !!

وتحدي المكذبين -الذي ورد في النصوص الآنفة الذكر- قائم في عصرنا على أرباب الحضارات المادية؛ الذين يظنون أنهم قد نجحوا في توجيه البشرية لتتبنى جهالة فكرهم؛ وزيف باطلهم، ولذا نقول لهم موتوا بغيظكم؛ فإن القرآن محفوظ؛ والإسلام باق ومنتصر؛ بل وينتشر بقوة في دولكم التي جعلت من المادة إلهاً يعبد من دون الله، فتوبوا إلى خالقكم العظيم؛ واعبدوه لعلكم تُرحمون !!

المجال الثاني:

تحدي المكذبين بأنه لا إله غير الله تعالى يسخر لنا الليل والنهار، وفي هذا التحدي دليل على اسمي الله تعالى (الخالق) و(القدير):

قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ • قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [القصص: ٧٢-٧٢] !!

وتحدي المكذبين -الذي ورد في الآيتين الآنفتي الذكر- قائم في عصرنا على أرباب الحضارات المادية؛ الذين يفرحون بإنارة دورهم وطرقهم وأماكن عملهم بالكهرباء؛ أشد من فرحتهم بخلق الله تعالى لليل والنهار، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [الأنبياء: ٣٣]، ولذا نقول لهم موتوا بغيظكم، فلا أحد أعلم من الله تعالى بحاجة البشرية لليل والنهار؛ ولا أحد قادر على تسخيرهما إلا هو، قال تعالى: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: ٧٣]، فتوبوا إلى خالقكم العظيم؛ واعبدوه لعلكم تُرحمون !!

المجال الثالث:

تحدي المكذبين بأنه لا إله غير الله تعالى ينبت الزرع، وفي هذا التحدي دليل على صفة (الخلق) لله تعالى:

قال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: ٦٠] !!

وتحدي المكذبين -الذي ورد في الآية الآنفة الذكر- قائم في عصرنا على الذين تقدموا في علم النبات في مجتمعات الحضارات المادية -بدراستهم لبُنية النبات؛ وخصائصه؛ وعملياته الكيميائية الحيوية-، ولذا نقول لهم موتوا بغيظكم، فإنه لا قدرة لكم على إنبات أي نبتة من بين مئات الألوف من أنواع النباتات المختلفة؛ لقول الله تعالى: {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}، فتوبوا إلى خالقكم العظيم؛ واعبدوه لعلكم تُرحمون !!

وهكذا، لو تتبعنا آيات القرآن الكريم جميعها لوجدنا أن خطاب التحدي القرآني للمكذبين -سواء للمكذبين أنفسهم؛ أو الشركاء الذين اتخذوهم من دون الله- قد ورد في القرآن الكريم بكثرة؛ وفي مجالات مختلفة؛ يزداد بها المؤمنون معرفة ويقينا بأسماء الله تعالى الحسنى؛ وصفاته العليا؛ وأفعاله الجليلة؛ ويذعن وينقاد لها الباحثون عن الحق من غير المسلمين؛ ويموت المستكبرون بغيظهم لم ينالوا خيرا !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه عجز أعداء الإسلام أمام تحديات القرآن الكريم المختلفة لهم !!

اللهم كن للمستضعفين في غزة ناصرا ومؤيدا ومعينا .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..