التأمل المفيد (٤٢٢)

الحلقة الثالثة بعد المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [هود: ٦٦] !!

في خِضم الحروب الطاحنة اليوم؛ وصِراع القوى المتصاعد؛ والمخاوف من توسيع دائرة القتال؛ أجده من المناسب أن نتذاكر -نحن أهل السنة- المعاني العظيمة لاسم الله تعالى (القوي) سبحانه؛ الذي جاء في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}-، وهي مذاكرة القصد منها تجنيب أنفسنا خطر الانبهار بقوى البشر الزائلة؛ وتطمين لنا بهيمنة الله تعالى على كل ذرة في هذا الكون الفسيح؛ وما فيه من خلائق، فأقول وبالله التوفيق !!

إن من أعظم ما أُرسِل من أجله المرسلون -عليهم السلام- تعريف الناس بالله تعالى: بأسمائه الحسنى؛ وصفاته العليا؛ وأفعاله الجليلة !!

هذا إبراهيم -عليه السلام- يخاطب أباه الكافر؛ بأن الأصنام لا تسمع ولا تبصر؛ بخلاف خالقه العظيم الذي يسمع ويبصر، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا • إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} [مريم: ٤١-٤٢] !!

كذلك عرّف الرسل -عليهم السلام- أتباعهم بمعية الله تعالى لهم بعلمه؛ حتى صاروا يتعاملون مع خالقهم كأنهم يرونه سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: (يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما) [متفق عليه] !!

أمّا حين تكون تربية الرسل -عليهم السلام- لأتباعهم على معاني اسم الله تعالى (القوي) فإن الحديث يكون عن قدرة الله تعالى على كل شيء، قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: ٤٠]!!

فهو سبحانه القوي القادر على خلق الخلائق، قال تعالى: {نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا} [الانسان: ٢٨]، وأن أدعياء القوة العسكرية من البشر -ومعهم آلهتهم- لا يخلقون شيئا؛ ولو كان بحجم الذبابة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: ٧٣] !!

وهو سبحانه القوي القادر على أن يحيي ويميت، قال تعالى: {هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يونس: ٥٦]، وأن أدعياء القوة العسكرية من البشر -ومعهم آلهتهم- لا يستطيعون الإحياء ولا الإماتة، قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} [الفرقان: ٣] !!

وغير ذلك من مظاهر القوة والقدرة؛ كالملك، قال تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: ٨٣]، والرزق، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: ٥٧]؛ التي يتصف بها الله العلي العظيم !!

وعليه، فالسؤال الذي يطرح نفسه:

كيف كان أثر اسم الله تعالى (القوي) على استعداد سلفنا الصالح لمواجهة أعداء الملة والدين ؟

الجواب:

دعونا نستعرض معا ثم نحلل أثرا عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كتبه إلى القائد العسكري المغوار الصحابي سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: (أما بعد: فإني آمرك، ومن معك من الأجناد، بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك، ومن معك، أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ..) [العقد الفريد (١/ ١١٧)] !!

لقد كان الفاروق -رضي الله عنه- يؤمن بأن القوة لله جميعا -الخلق، والإحياء، والإماتة، والملك، وغير ذلك من مظاهر القوة والقدرة-، فجعل الموضوع الرئيس في رسالته؛ تقوى الله تعالى؛ والبعد عن الذنوب؛ يستنزل بذلك نصر الله تعالى القوي المتين، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: ٥١] !!

كان عمر -رضي الله عنه- يعلم أن لله جنود السماوات والأرض؛ وأن كل الأسلحة الفتّاكة -الموجودة في كل قارات الأرض- لا توازي ولا ذرة من جند الله تعالى، فأخذ يستنزل نصر الله تعالى بِحَثَّ الجيش المسلم على تقوى الله تعالى؛ والبعد عن المعاصي والذنوب !!

كان عمر -رضي الله عنه- يعلم أن اتخاذ الأسباب للإعداد المادي من قِبَل المسلمين -وهو واجب أمر الله به- مهما نجح وأنتج أكبر وأضخم الأسلحة -كما وكيفا-، يظل -من المنظور الشرعي- ضئيلا ضئيلا؛ ولا يساوي هباءة من نصر ملك الملوك الذي ينصر به المؤمنين !!

كان يقرأ -رضي الله عنه- في كتاب ربه تعالى عن العذاب الرباني بالريح والصيحة والخسف والإغراق، قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: ٤٠]؛ فجعل يستنزل هذه الألوان من العذاب -لدحر الكافرين- بأمر الجيش المسلم بتقوى الله تعالى؛ والبعد عن المعاصي والذنوب !!

وكان الفاروق -رضي الله عنه- يقرأ في كتاب ربه: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: ١٢]؛ فأخذ يستنزل من ربه النصر بإنزال الملائكة -عليهم السلام- لدحر الأعداء؛ وذلك بأمر جيشه بتقوى الله؛ والبعد عن الذنوب !!

ويبقى سؤال آخر مهم:

 من الذي علّم الفاروق -رضي الله عنه- أن النصر إنما هو من عند الله فقط؛ مهما اتخذ من الأسباب لإعداد ما استطاع من قوة ؟

الجواب:

علّمه ذلك ربُّه، قال تعالى: {بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ • وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: ١٢٥-١٢٦]، ألا ما أعظم إلهنا سبحانه! حتى الملائكة الذين ينزلهم لنصرة المؤمنين؛ علّم الله تعالى الفاروق -رضي الله عنه- ألا يتعلق بهم، وألا يركن إليهم .. علّمه أن ربه هو القوي المتين، وعليه أن يتوكل عليه وحده؛ ويستجلب النصر منه وحده !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه أنه القوي سبحانه !!

اللهم كن للمستضعفين في غزة ناصرا ومؤيدا ومعينا .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..