التأمل المفيد (٤١٩)

الحلقة المائة من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا} [الإسراء: ٤٥]، قال أهل التفسير: “وإذا قرأت القرآن فسمعه هؤلاء المشركون، جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابًا ساترًا يحجب عقولهم عن فَهْمِ القرآن؛ عقابًا لهم على كفرهم وإنكارهم” !!

يتعجب المسلم من عدم انتفاع المليارات من غير المسلمين -في عصرنا- بالقرآن الكريم؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه -مع توفره في المكتبات؛ وعلى الشبكة العنكبوتية-، ويذهب به الظن أن السبب الوحيد وراء عدم إسلامهم؛ هو عدم اطّلاعهم على كتاب الله تعالى، لكن سرعان ما يزول عجبه حين يدرك أن الذي حجب عقولهم عن فهم القرآن الكريم هو خالقهم؛ عقابا لهم على كفرهم وتكذيبهم -كما سيأتي بيانه- وكما جاء في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا} !!

لقد فات هذه المليارات من المكذبين الإيمان بقول الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن حق، قال صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى: (أنتَ الحقُّ، وقولُكَ الحقُّ) [متفق عليه]، وسيأتي اليوم الذي يستيقنون فيه أن الله هو الحق المبين؛ وأن القرآن كان حقا، قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ • يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: ٢٤-٢٥]، ولكن ولات حين مناص !!

كما فاتهم حين شاهدوا وسمعوا عبر وسائل التواصل جُرأة أكثر من ملحد يحرقون كتاب الله تعالى الكريم، فاتهم أن يحركوا لذلك ساكنا؛ ولو بالاستنكار، وهذا يدل على تكذيبهم بأعظم كتاب أنزله الله تعالى؛ فعوقبوا بحجب عقولهم عن فهم كتابه !!

هذا؛ وقد أطال القرآن الكريم الحديث عن عظمة كتاب الله تعالى، جاء ذلك في جُّل سور القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ • مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ • بِأَيْدِي سَفَرَةٍ • كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: ١٣-١٦]، قال أهل التفسير: “هذا الوحي، وهو القرآن في صحف معظمة، موقرة، عالية القدر مطهرة من الدنس والزيادة والنقص، بأيدي ملائكة كتبة، سفراء بين الله وخلقه، كرام الخلق، أخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة” !!

ولا يخفى على القارئ الكريم أن سورة عبس جاء فيها آية تحمل غضب الله تعالى على الكبراء المكذبين من كفار قريش؛ الذين استغنوا عن هدي القرآن الكريم، قال تعالى: {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ • فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ • وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ} [عبس: ٥-٧]، قال أهل التفسير: “أما مَن استغنى عن هديك، فأنت تتعرض له وتصغي لكلامه، وأي شيء عليك ألا يتطهر من كفره؟!! .. وقد عاقبهم الله تعالى بحجب عقولهم عن فهم كتابه !!

وقال تعالى كذلك في تعظيم القرآن: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ • فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ • لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٧-٧٩]، قال أهل التفسير: “إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لقرآن عظيم المنافع، كثير الخير، غزير العلم، في كتاب مَصُون مستور عن أعين الخلق، وهو الكتاب الذي بأيدي الملائكة. لا يَمَسُّ القرآن إلا الملائكة الكرام الذين طهرهم الله من الآفات والذنوب، ولا يَمَسُّه أيضًا إلا المتطهرون من الشرك والجنابة والحدث” !!

وفيما يلي بعض نصوص الكتاب المبين التي حملت نفس المعنى الذي حملته الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا} [الإسراء: ٤٥]؛ وهو حجب عقول المكذبين عن فهم القرآن الكريم عقابا لهم:

أولا: يحجب الله تعالى عن عقول المتكبرين فهم كتابه تعالى:

قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٤٦] !!

ثانيا: يحجب الله تعالى عن عقول المنافقين فهم كتابه تعالى:

قال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: ١٦] !!

ثالثا: يحجب الله تعالى عن عقول المجادلين بالباطل فهم كتابه تعالى:

قال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: ٣٥] !!

رابعا: يحجب الله تعالى عن عقول الذين اتخذوا آلهتهم هواهم فهم كتابه تعالى:

قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: ٢٣] !!

ويُستثنى من هذه المليارات -من المكذبين؛ الذين حجب الله تعالى عقولهم عن فهم القرآن الكريم- يُستثنى منهم من شاء الله تعالى له الهداية؛ ممّن عافاه سبحانه من الكِبْر؛ والجدال بالباطل؛ والنفاق؛ واتخاذ الهوى إلها؛ وهداه إلى القرآن؛ حيث كان صادقا في بحثه عن الإله الحق؛ وكسب رضاه، قال تعالى لأهل الكتاب: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ • يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: ١٥-١٦] !!

ويبقى أن نقول: ينبغي علينا نحن -أهل الإسلام- أن نُحذِّر أنفسنا من خطر الغفلة عن كتاب الله تعالى، قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: ٣٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الذي ليس في جّوْفِه شيءٌ من القرآنِ كالبيتِ الخَرِبِ) [صححه أحمد شاكر في تخريج المسند (3/290)]، قال الشيخ ابن عثيمين: “بيَّن الرسول عليه الصلاة والسلام أن الجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب: يعني أن القرآن يعمُر القلب ويجعله مستنيرا بالعلم وبنور الكتاب العزيز، وإذا فُقد القرآن من قلب العبد فإنه يكون كالبيت الخرب والعياذ بالله، ليس فيه خير، وهذا أيضًا فيه التحذير من عدم قراءة القرآن والحرص عليه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يتلونه حق تلاوته”[مقطع صوتي لشرح رياض الصالحين] !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه نوعا من أشد أنواع العقاب للمستكبرين المكذبين؛ وهو حجب عقولهم عن فهم القرآن الكريم !!

اللهم كن للمستضعفين في غزة ناصرا ومؤيدا ومعينا .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللا طلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..