الحلقة السادسة والتسعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: ٥٩]، قال أهل التفسير: “وما كان ربك -أيها الرسول- مهلك القرى التي حول “مكة” في زمانك حتى يبعث في أمها -وهي “مكة”- رسولا يتلو عليهم آياتنا، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون لأنفسهم بكفرهم بالله ومعصيته، فهم بذلك مستحقون للعقوبة والنكال” !!
أدرك المسلمون من كتاب ربهم؛ أن مقتضى ملك الله تعالى للسماوات والأرض وما فيهن؛ هو العيش على هذه الأرض وِفق هدي كتابه سبحانه؛ وأن حياتهم لا تصلح ولا تستقيم أبدا إلا بالتمسك بما أنزله مالكهم سبحانه !!
وإن من عظيم تدبير الله تعالى لكتابه المبين؛ أن اختار أمّ القرى لبدء تنزل الوحي به، كما دلت على ذلك الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}، وهو بلد يحبه الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله) [صححه الألباني في صحيح الترمذي (٣٩٢٥)]؛ وحرّمه يوم خلق السماوات والأرض، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ)[متفق عليه] !!
كما أوحى بكتابه إلى أفضل وأعظم رسله -سيد الأولين والآخرين- محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغه للعالمين !!
وإن المتأمل في كتاب الله تعالى ليدرك أن القرآن الكريم هدى، قال تعالى: {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢]، وأن طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- هدى، قال تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚوَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: ٥٤]، وأن البلد الحرام هدى، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٦] !!
الهدى إذن هو الموضوع المشترك -الأكبر والأعظم- بين القرآن الكريم والسنة المطهرة والبيت الحرام .. وكيف لا يكون الهُدى بهذه الأهمية والمسلم يدعو ربه تعالى أن يهديه إلى صراطه المستقيم سبع عشرة مرة -في الفروض من صلاته يوميا- على أقل تقدير ؟!!
وعليه، دعونا نقف وقفات مع نصوص الكتاب والسنة، لنتأمل في الأمور المشتركة بين القرآن الكريم والسنة المطهرة والبيت الحرام؛ التي تصب جميعها في تعظيم موضوع الهُدى !!
الوقفة الأولى:
حِفظُ الله تعالى لمنابع الهُدى الثلاثة -القرآن الكريم والسنة المطهرة والبيت الحرام- إلى آخر الزمان:
فالقرآن الكريم محفوظ بنص الآية الكريمة: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] !!
والسنة المطهرة حفظها الله تعالى بما قيض لها من رجال الحديث والأثر !!
كذلك سيحفظ الله تعالى بيته الحرام إلى آخر الزمان، دل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا)[رواه مسلم (١٢٥٢)]، وعيسى عليه السلام لا ينزل إلا في آخر الزمان !!
ومن شأن هذا الحِفظ؛ استمرار تذكير العالمين بموضوع الهُدى إلى آخر الزمان !!
الوقفة الثانية:
ارتباط هُدى القرآن الكريم وهُدى السنة المطهرة وهُدى البيت الحرام بعضه ببعض:
الصلاة: الركن الثاني من أركان الإسلام مثالا:
حيث يتوجه المصلي فيها إلى “القبلة” !!
تاليا “لكتاب ربه” !!
مؤديا أركان الصلاة وواجباتها ومستحباتها “وفق سنة نبيه صلى الله عليه وسلم” !!
ومن شأن هذا الارتباط -بين القبلة، وكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه في الصلاة- أن يجعل موضوع الهُدى أعظم ظهورا في العالمين !!
الوقفة الثالثة:
التذكير بالجنة:
القرآن الكريم والسنة المطهرة يذكران بالجنة !!
وكذلك الكعبة -التي يستقبلها المسلون في صلاتهم- تذكرنا بالجنة..ففيها الحجر الأسود؛ الذي نزل من الجنة !!
ومن شأن تذكير القرآن الكريم والسنة المطهرة والبيت الحرام بالجنة؛ أن ينشدّ الناس إلى طلب الهُدى والاستزادة منه والإقبال عليه؛ حين يستيقنون أنه لا يدخل الجنة ويتلذذ بنعيمها إلا نفس قد اهتدت إلى الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ)[متفق عليه] !!
الوقفة الرابعة:
القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم يشفعان يوم القيامة، وكذلك الحجر الأسود يشهد لمن استلمه بحق:
قال صلى الله عليه وسلم عن شفاعة القرآن الكريم: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ)[رواه مسلم (٨٠٤)]!!
وقال صلى الله عليه وسلم عن شفاعته: (أتاني آتٍ من عندِ ربي، فخيَّرني بينَ أن يدخلَ نصفُ أمتي الجنةَ وبينَ الشفاعةِ، فاخترتُ الشفاعةَ؛ وهي لمن ماتَ لا يشركُ باللهِ شيئًا)[صححه الألباني في صحيح الجامع (٥٦)] !!
وقال صلى الله عليه وسلم عن الحجر الأسود: (إنَّ لهذا الحجرِ لسانًا وشفتَينِ يشهدُ لمن استلمَه يومَ القيامةِ بحقٍّ) [صححه الألباني في صحيح الجامع (٩٦٩)] !!
ومن شأن هذه الشفاعات -التي يحتاجها المسلم يوم القيامة- أن تزيد المسلم تعظيما لمنابع الهُدى: القرآن الكريم والسنة المطهرة والبلد الحرام؛ بما شُرِع لنا من تعظيم؛ علّه يحظى بهذه الشفاعات !!
بقي أن نسأل: كيف يعظِّم المسلم منابع الهُدى .. كتاب ربه تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبيته الحرام ؟
الجواب:
أمّا تعظيم القرآن الكريم والسنة المطهرة فيكون بالإقبال عليهما قراءة وتدبرا وعملا؛ والاستقامة على صراط الله تعالى حتى الممات، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩] !!
وأمّا تعظيم بيت الله الحرام؛ فيكون بقصده للحج والعمرة لمن استطاع إليه سبيلا، واستقباله في الصلاة، وفي الدعاء، وعند دفن الموتى .. كما يكون بعدم استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة، وعدم التفل تجاه القبلة، قال صلى الله عليه وسلم: (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه)[صححه الألباني في صحيح الترغيب (٢٨٤)] .. كذلك يكون بمراعاة الأحكام الخاصة بالبلد الحرام خلال مكثه فيها، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ إلَّا مَن عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا)[متفق عليه] !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ ودلنا فيه إلى هدي كتابه المبين؛ وهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم- الأمين؛ وهدي بيته الحرام !!
اللهم كن للمستضعفين في غزة ناصرا ومؤيدا ومعينا .. اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللا طلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..