التأمل المفيد (٤١٢)

الحلقة الثالثة والتسعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف: ١٠٥], قال أهل التفسير: “جدير بأن لا أقول على الله إلا الحق، وحريٌّ بي أن ألتزمه” !!

نحن في عصر كثُرت فيه التصريحات في وسائل إعلام دول الحضارات المادية -من قِبل أرباب الفكر والسياسة- حتى زادت في عددها ووتيرة صدورها عن المعقول، والأغرب من ذلك محتواها الباطل الأثيم -كتهجير شعب من موطنه-، وهذا بلا شك نتاج منهج حياتهم القاصر؛ الذي يملي عليهم فيه الشيطان ما يقولون وما يفعلون !!

والآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}؛ ترسم منهجا ربانيا للتصريحات التي يطلقها البشر؛ بأن يلتزم قائلوها الحق والصدق فيما يقولون؛ ويتجنبوا الكذب والافتراء، ولن يكون ذلك إلا بالانقياد التام لمنهج الخالق العظيم؛ والتزام الناس في حديثهم بضوابط الشرع الحنيف، وهكذا كان منهج الأنبياء -عليهم السلام- وأتباعهم الكرام؛ فيما يصدر عنهم من كلام !!

وقد يقول قائل: إن هؤلاء الذين أصدروا التصريحات الباطلة في الغرب ليسوا مسلمين ! وأقول هذا صحيح، ولذلك تأتي ضرورة دعوتهم إلى الاستسلام لخالق الكون؛ وأن يستجيبوا لدعوة الإسلام التي سمع بها القاصي والداني -ولله الحمد-؛ وأن يتجنبوا الكذب؛ وأن يصدُقوا ولا يقولوا إلا الحق، وهذا هو عين ما انتهجه القرآن الكريم معهم، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ} [النساء: ١٧١]، والغلو هو الغلو: سواء بتأليه عيسى عليه السلام؛ أو بإطلاق تصريحات فرعونية -بتهجير شعب من موطنه- وكأنهم يملكون الأرض ومن عليها .. وكذلك زجر سبحانه أهل الكتاب على تلبيسهم على الناس: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧١]؛ التلبيس: خلط الحق في كتبهم؛ بما حرفوه وكتبوه من الباطل بأيديهم !!

ولأن الله تعالى وعد بأن يكفينا شر الظالمين -الذين يفترون على الله تعالى الكذب- فقد صدق سبحانه وعده؛ وكفانا شرهم؛ بأن دب الشِقاق الحاد بينهم -هذه الأيام- وبدأت الحرب الضروس بين الحزبين الكبيرين -الجمهوري والديموقراطي-، وقد مس هذا الخلاف حتى دستورهم -بالتعدي عليه- ولطالما زعموا أنه لا أحد فوق القانون، وما حصل كان نتيجة حتمية لعدم استجابتهم للإيمان الصحيح، قال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٣٧]، وسيظل هذا الشِقاق -الذي نصت عليه الآية الكريمة- ينخر في حضارتهم حتى تنهار بإذن الله الواحد القهار، إلّا أن يتوبوا إلى الله تعالى؛ ويرجعوا عن غيهم !!

أمّا إذا نظرنا إلى أهل الإسلام؛ فإنهم لا يُصرِّحون بأي تصريحات آثمة، ذلك أن نبيهم عليه الصلاة والسلام حذّرهم حتى من أن تكذب الأم على وليدها، فكيف بما هو أكبر من ذلك بمراحل ؟! في الحديث قال عبدالله بن عامر رضي الله عنه: “دعتْني أُمي يومًا ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قاعدٌ في بيتِنا فقالتْ: “ها تعالَ أُعطيكَ”، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ (وما أردتِ أنْ تعطيهِ ؟)، قالتْ: “أُعطيهِ تمرًا”، فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (أما إنك لو لمْ تُعطيهِ شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ) [حسنه الألباني في صحيح أبي داود (٤٩٩١)] !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

ما الذي يدفع الكافرين إلى الكذب على الله تعالى ؟

الجواب:

هناك أكثر من أمر يدفعهم لذلك؛ أذكر منها اثنين فقط:

أولا: عدم إيمانهم بالقرآن العظيم:

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ • إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: ١٠٤-١٠٥]، قال أهل التفسير: “إن الكفار الذين لا يصدقون بالقرآن لا يوفقهم الله لإصابة الحق، ولهم في الآخرة عذاب مؤلم موجع، إنما يختلق الكذبَ مَن لا يؤمن بالله وآياته، وأولئك هم الكاذبون في قولهم ذلك. أما محمد صلى الله عليه وسلم المؤمن بربه الخاضع له فمحال أن يكذب على الله، ويقول عليه ما لم يقله” !!

ثانيا: ادعاؤهم كذبا أن منهج حياتهم الآثم الذي هم عليه؛ أفضل من دين الإسلام:

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت: ١٢] !!

وهذه أعظم فِرية افترتها الحضارة المادية في عصرنا؛ وهو الزعم بأنهم يحملون لواء الحرية والعدالة والمساواة للبشرية، كما يلصقون بالإسلام زورا وبهتانا تهمة الإرهاب .. وقد فضحهم الله تعالى؛ وكشف زيف ادعائهم: أولا في بلدانهم: حيث تفاقمت الجريمة بأرقام فلكية، واندلع الشِقاق بين أحزابهم، وثانيا خارج أرضهم: حيث شاركوا في حروب إرهابية ظالمة؛ كان آخرها مجزرة الإبادة الجماعية الآثمة في غزة !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وأمرنا فيه بقول الحق على الدوام !!*

*اللهم أتمم النصر بتحرير المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..