الحلقة الحادية والتسعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ} [النحل: ٩٢]، قال أهل التفسير: “ولا ترجعوا في عهودكم، فيكون مَثَلكم مثل امرأة غزلت غَزْلا وأحكمته، ثم نقضته، تجعلون أيمانكم التي حلفتموها عند التعاهد خديعة لمن عاهدتموه، وتنقضون عهدكم إذا وجدتم جماعة أكثر مالا ومنفعة من الذين عاهدتموهم، إنما يختبركم الله بما أمركم به من الوفاء بالعهود وما نهاكم عنه مِن نقضها” !!
الوفاء بالعهود من أرقى الأخلاق الإنسانية الحميدة، ونظرا لأهميته فقد حشد له القرآن الكريم ألوانا من الأساليب المؤثرة؛ حتى أضحى من أعظم ما تخلّق به أهل الإسلام على مر القرون، والآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-؛ هي إحدى تلك الأساليب، حيث بين الله تعالى فيها بشاعة نقض العهود !!
ولا شك ولا ريب؛ أن السبب الأكبر لنقض العهود؛ هو عدم خوف الناقضين لها من أن تصيبهم لعنة الله في الدنيا؛ وعذابه في الآخرة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد: ٢٥] !!
وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الوفاء بالعهد؛ حين رد أبا بصير رضي الله عنه إلى قريش؛ وقد جاءه مسلما -مع علمه صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون عُرضة للتعذيب لو عاد- كل ذلك وفاء للعهد الذي نصت عليه بنود صلح الحديبية [سيرة ابن هشام (٢/ ٣٢٣)] !!
وإن ممّا دعاني إلى كتابة هذا المقال: هو أن هذا الخُلُق العظيم -الوفاء بالعهد- قد شوهه أفسد الناس على وجه الأرض -اليهود-؛ حين مارسوا نقض العهود خلال تاريخهم الطويل -كما سيأتي بيانه-، وكذلك فعلوا في عصرنا الحاضر، حيث ضربوا بالقرارات التي تدين احتلالهم لأرض فلسطين عرض الحائط؛ ناقضين بذلك كل المواثيق والمعاهدات الدولية !!
وقد أضحى نقض العهود -بسبب ممارسات اليهود- خُلُقا وصفة لغيرهم؛ وكأنه وباء معد !!
فعلى مستوى الدول: الهندوس -على سبيل المثال لا الحصر- ينقضون المواثيق والعهود؛ ويضطهدون المسلمين في الهند !!
وعلى مستوى القادة في الغرب: يُنصَّبُ رئيس جديد؛ فينقُض -بجرة قلم- عهود ومواثيق كان قد أبرمها سلفه .. بينما أهل الإسلام يحافظون على أي عهد أبرمه أي مسلم -سواء كان من عِلية القوم؛ أو من أدناهم-، قال صلى الله عليه وسلم عن المسلمين: (يسعى بذمَّتِهم أدناهُم) [صححه الألباني في إرواء الغليل (٢٢٠٨)])؛ ما دامت العهود موافقة للشرع الحنيف !!
وكذلك على مستوى الأفراد: فإننا لو بحثنا عن الأسباب الحقيقية وراء الجرائم المتفاقمة في دول الحضارات المادية؛ لوجدناها تعود إلى جُرم نقض المواثيق: -كميثاق المواطنة-، وهو ميثاق تعكسه قوانين تلك الدول؛ والتي يعلم المجرمون هناك أنه عليهم الوفاء به !!
بل -وللأسف الشديد- حتى الأفراد الذين يرتكبون المحرمات في المجتمعات المسلمة: لا يقومون بمعاصيهم إلا بسبب عدم الوفاء بما عهِد الله إليهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١]، قال أهل التفسير: “يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، أتِمُّوا عهود الله الموثقة، من الإيمان بشرائع الدين، والانقياد لها” !!
هذا، وإن من أعظم ما دفع اليهود إلى نقض العهود؛ هو كتابهم التلمود؛ الذي طفح بعنصرية بغيضة ضد غيرهم من البشر، وهذا مصداق قوله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: ٧٥]، قال أهل التفسير: “وسبب ذلك عقيدة فاسدة تجعلهم يستحلُّون أموال العرب بالباطل، ويقولون: ليس علينا في أكل أموالهم إثم ولا حرج؛ لأن الله أحلَّها لنا” !!
وقد بين الله لنا تكرار نقض اليهود للعهود مع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّة} [الأنفال: ٥٦]؛ وقد غدرت كل فِرق اليهود في المدينة .. كما جاء التأكيد على تجذُّر صفة نقض العهود في نفوسهم، قال تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ} [المائدة: ١٣]، قال أهل التفسير: “ولا تزال -أيها الرسول- تجد من اليهود خيانةً وغَدرًا، فهم على منهاج أسلافهم إلا قليلا منهم” !!
وفيما يلي مثالين فقط على تاريخ اليهود الطويل في نقض العهود:
أولا: نقضهم لعهد الله تعالى الذي أخذه عليهم؛ باتِّباع خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم؛ متى ما بُعِث:
قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٠١] !!
ثانيا: نقضهم للعهود التي جعلها الله تعالى بينهم:
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ • ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [البقرة: ٨٤-٨٥] !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي شدّد فيه على وجوب الوفاء بالعهود؛ وعلى جُرم وبشاعة نقضها !!
اللهم كفّ عن المسلمين شر اليهود؛ ناقضي العهود .. اللهم أتمم النصر بتحرير المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..