التأمل المفيد (٤٠٩)

الحلقة التسعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: ٥٥] !!

في خِضمّ تسابق أمم الحضارات المادية في هذا العصر؛ لإعادة بناء مجتمعاتها بناء صحيحا؛ يتسم بالقوة والأمن -وهذا ما يزعمه أرباب الحضارات المادية على مر العصور؛ كلهم يزعمون ذلك-، أقول في خِضمّ ذلك التسابق؛ فإن لأمة الإسلام القول الفصل في موضوع التمكين الجلل -إذ الأرض أرض الله؛ وهو سبحانه من يضع شروط التمكين-؛ كما في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- حيث حصرت التمكين الحق والصحيح للموحدين؛ الذين يعبدونه سبحانه؛ ولا يشركون به شيئا؛ ويعملون الصالحات !!

بداية، ينبغي أن نبين أن موضوع التمكين في الأرض قد حرّفته شبهات كثيرة -رسخت رسوخا متجذرا في عقول أرباب الحضارات المادية-، كان من أقبحها: أن القوة المادية وحدها هي المقياس لتقدم الأمم؛ حتى لو كانت تلك الأمم كافرة بالله العظيم، وقد نفى القرآن ذلك بشدة، وبين أنه: بالرغم من تمكين الله لبعض أمم الشرك في الجانب المادي -إذا شاء سبحانه- إلا أنهم يستحقون عذاب الله لتمردهم عليه، قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} [الأنعام: ٦]، والتاريخ أكبر شاهد على تحقق وعيد الله في الأمم الكافرة !!

والأعظم من تلك الشبهة -التي ذكرتها آنفا-؛ هو جهل الحضارات المادية المُطبِق في التعامل مع فطرة الإنسان؛ وفق ما قاله صلى الله عليه وسلم عن هذا الإنسان: (كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ) [متفق عليه]، قال الشيخ ابن باز: “معنى الفطرة يعني على الإسلام” [موقع الشيخ على النت]، وهذا يعني أن فطرة الإنسان لا تتواءم إلا مع تشريعات الإسلام؛ إذ هو مفطور عليها، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: ٣٠] !!

حقا كما قال الله تعالى: أكثر الناس لا يعلمون موضوع الفطرة؛ ولا يعلمون أن الجمع بينها وبين منهج لا يتلاءم معها؛ هو كمن يجمع بين المتناقضات -وهذا لا يكون أبدا-، قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ • وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ • وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [فاطر: ١٩-٢١]، بل إن السبب الرئيس وراء انهيار المجتمعات المادية هو الجمع بين المتناقِضْيَن: فطرة الإنسان؛ ومنهج لا يلائمها !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

ما دام أن أمة الإسلام أمة موحِّدة لله تعالى؛ ولا تشرك به شيئا؛ وتدرك أن الإسلام هو دين الفطرة؛ فما هو السبيل -الذي بينه الله لعباده المؤمنين- حتى ترتقي أمّتهم أكثر وأكثر؛ وتصبح أعظم وخير أمة -كما كانت- لتسعد وتُسعِد البشرية معها؛ ببسط قيم السماء الربانية؛ في مجتمعات الأرض ؟

الجواب:

أوضح القرآن الكريم في ثلاث آيات من سورة واحدة؛ السبيل الوحيد لبلوغ المؤمنين الموحدين ما يرومونه من تمكين في الأرض؛ يرضى عنه الله تعالى؛ ويفرح به المؤمنون هو: تقوى الله: -طاعته فيما أمر؛ واجتناب ما عنه نهى وزجر- والصبر على ذلك !!

والعجيب أن هذا النهج الذي جاء في آيات سورة آل عمران الثلاث؛ جاء بصيغة واحدة: {إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} سواء كان المسلمون في حالة السلم؛ أو الحرب، والآيات هي:

قال تعالى: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: ١٢٠] !!

وقال تعالى: {بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: ١٢٥] !!

وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: ١٨٦] !!

إننا نقول وبكل فخر: أمة الإسلام ماضية في بناء مجتمعها البناء الصحيح، ثم مع إدراكنا أن التمسك بدِين الإسلام؛ والصبر على ذلك؛ هو الذي يوائم الفطرة السوية؛ استبشرنا بأن التمكين الحق سيكون سريعا .. على العكس من أمم الحضارات المادية التي اختارت التناقض بالجمع بين الفطرة؛ وبين تشريعاتها البشرية القاصرة؛ فاختارت بذلك دمارها .. ولنا في التمكين الصحيح والسريع الذي مكّن الله به الأمة المسلمة في عهد صدر الإسلام؛ خير دليل على تحقيق الله وعده لعباده المؤمنين !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وأبان لنا فيه: الأساس الأعظم للتمكين في الأرض؛ وهو التوحيد، كما أبان لنا الطريق إلى ذلك التمكين: وهو تقوى الله والصبر على ذلك !!

اللهم أتمم النصر بتحرير المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..