التأمل المفيد (٤٠٥)

الحلقة السادسة والثمانون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس: ٢] !!

من أشد ما يصد الكفار عن الاستسلام لله رب العالمين: هي تلك الصورة الباطلة التي رُسِمت في عقولهم وتغلغلت في نفوسهم -على مر القرون- عن ماهية مكونات الدين؛ وأن الدين -حتى يكون حقا- لابد له من آلهة على الأرض يعكفون على عبادتها -سواء كانت من حجر أو شجر أو بشر أو حتى من بقر-؛ ولابد له كذلك من رجال دين -أربابا من دون الله تعالى- من الكهنة وما شابههم من الضالين المضلين !!

والآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ}؛ تحكي تعجب كفار قريش ممّا دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث خالفت دعوته -في أذهانهم- الصورة النمطية -أي التي لا تتغير- لمكونات الدين التي ألِفوها؛ فلم يدعوهم صلى الله عليه وسلم إلى عبادة آلهة من الأصنام يأتونها؛ كما لم يجعل -لا من نفسه صلى الله عليه وسلم؛ ولا من أصحابه رضوان الله عليهم- كهنة أربابا من دون الله تعالى، عندها تأكد لهم -زعموا- أن الدين الذي جاء به صلى الله عليه وسلم ليس بدين صحيح؛ فكذبوه؛ واتهموه بأنه ساحر؛ وأن ما أتى به سحر ظاهر البطلان !!

والسحر وأعمال السحرة؛ كانت دائما هي التهمة المفضلة التي يرمي بها أرباب الكفر رُسُل الله تعالى -عليهم السلام- لمواجهة معجزة الوحي المتنزل من السماء؛ حتى يتم إقناع الأتباع والرعاع بسهولة، حكى لنا القرآن الكريم قولهم في آخر آية التأمل في هذا المقال: {قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} !!

هذه الصورة النمطية التي رسمت المكونات الدينية الباطلة في عقول الناس؛ هي لوثة راسخة لدى الكافرين على مر العصور؛ من ذلك:

قوم نوح لم يقبلوا الدين الحق؛ وتمسكوا بمكونات الدين الذي توارثوه -آلهة أرضية؛ وكهنة أربابا من دون الله-، قال تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: ٢٣] !!

ورفض قوم هود ترك عبادة الأصنام؛ وكذلك فعل قوم صالح عليه السلام؛ وقوم شعيب عليه السلام؛ وقوم إبراهيم عليه السلام؛ وقوم يوسف عليه السلام؛ واليهود عبدوا عزيرا؛ والنصارى عبدوا عيسى عليه السلام؛ واتخذوا الأحبار والرهبان أربابا من دون الله تعالى !!

وهكذا شعوب الحضارة المادية في هذا العصر؛ يشبهون في تصورهم للدين تصور كفار قريش؛ بصورته النمطية الباطلة -آلهة أرضية؛ وكهنة لهذه الآلهة متنفذين-، متبعين بهذا الموروث الباطل شتى المِلل والنِحل المنحرفة؛ التي اعتقدت نفس الاعتقاد؛ كالبوذية والهندوسية؛ فضلا عن اليهودية والنصرانية، حتى رأينا أساتذة جامعات يعبدون صنم بوذا؛ أو يسجدون للبقر، ليعيش الناس بعد ذلك حياتهم في حرية بهيمية؛ لا تكاليف فيها من خالقهم العظيم؛ الذي أراد لهم الخير والفلاح بإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام !!

والسؤال الذي يطرح نفسه:

كيف صحح الإسلام -خلال فترة تنزل الوحي المطهر- هذه الصورة النمطية الباطلة عن الدين؛ الراسخة في عقول وقلوب الكافرين؛ التي اعتقد أصحابها أنها عصية على التغيير ؟!

الجواب: حصل هذا التصحيح المدهش بتوجيه قرآني غاية في الأهمية؛ فيما يلي بيانه:

إن أعظم ما دفع المدعوين من الكافرين إلى ترك تلك الصورة الباطلة عن الدين؛ وإلى قبول التوحيد: هو استقامة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام على دين الإسلام العظيم !!

إن الاستقامة على دين قد فطر الله تعالى الناس عليه؛ تُبرِز محاسنه العظيمة بسرعة مذهلة؛ فتتجاوب معها الفِطر السليمة -على عكس الشرك الذي لا محاسن له البتة-، قال تعالى في شأن الاستقامة: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} [هود: ١١٢]، وغيرها من الآيات في موضوع الاستقامة كثير !!

وقد سجل التاريخ -بعد غزوة تبوك- أعظم ثمرة لهذه الاستقامة؛ حين أقبلت الوفود إلى النبي صلى الله عليه وسلم من كل حدب وصوب؛ مستسلمين لله تعالى؛ ومبايعين الرسول صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة -وقد زاد عدد الوفود التي وفدت إلى طيبة في ذلك العام على الستين وفدا-، قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ • وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا • فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: ١-٣] !!

كما سجلت هذه الاستقامة الصادقة على الدين؛ نزاهة للمسلمين عن أكل أموال الناس بالباطل؛ لم يشهد لها في التاريخ من قبل مثيل -في الوقت الذي يقوم فيه كهنة المِلل المنحرفة بجمع الأموال من الأتباع؛ كالنصارى الذين يجمعون العشور من أموال أتباعهم؛ إلى يومنا هذا-، وقد كان القرآن الكريم يصدع بهذه النزاهة، قال تعالى: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ١٤٥]، بل لا يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولا آل بيته الكرام؛ مال الصدقة !!

ويكفينا رضا وطمأنينة؛ أن ندرك أن الاستقامة على دين الإسلام؛ تفتح للمسلمين أبواب كل خير؛ وتصد عنهم أبواب كل شر !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وأبان لنا فيه أهمية الاستقامة على الدين !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..