الحلقة الخامسة والثمانون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [غافر: ١٠] !!
إنها مناداة خزنة جهنم -من الملائكة الكرام؛ عليهم السلام- لأهل النار؛ القابعين فيها؛ المصطلين بنارها وحرها؛ يُنْبِئُونهم عن شدة مقت وغضب جبار السماوات والأرض عليهم -حينما كانوا في الدنيا-، إذ الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ}؛ قد جمعت للكافرين بين أمرين: أحدهما في الدنيا؛ والثاني في الآخرة:
فأمّا الأمر الذي يقع لهم في الآخرة: فهو شدة غضبهم على أنفسهم؛ وعظيم مقتهم لها، وكيف لا يكون مقتهم لأنفسهم عظيما وهم في حُفرِ جهنم؛ قد أدركوا حجم جُرمهم؛ معترفين بذنبهم؛ ويسألون ربهم الخروج من نيران الجحيم، قال تعالى في الآية التالية لآية التأمل: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} [غافر: ١١] ؟! لكن أنى لهم الخروج منها وربهم تعالى يقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] ؟!!
وأمّا الأمر الآخر الذي يحصل لأهل النار -كما بينته الآية الكريمة- فهو شدة غضب الله تعالى عليهم في الحياة الدنيا؛ حينما كانوا يُدعون إلى الإيمان فيكفرون، حيث وصف لهم الملائكة الكرام غضب الله تعالى عليهم؛ بأنه أشد وأعظم من غضبهم ومقتهم لأنفسهم وهم في النار؛ {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} .. فيا لله .. ما أشدّ غضب الله تعالى ومقته للكافرين في هذه الدنيا !!
هذا الغضب الشديد الذي يصبّه الله تعالى على الكافرين صبا في الدنيا -ما لم يتوبوا- يحتاج إلى أن يدركه كل مسلم؛ حتى يُقبِل -بعد هذا الإدراك- على دعوتهم إلى الله؛ علّهم يفروا من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام؛ وينجوا من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة .. وهذه الدعوة لهم هي عين الرحمة التي كان يحملها صلى الله عليه وسلم للناس، قال صلى الله عليه وسلم: (أيُّها النَّاسُ قولوا لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفلِحوا) [صححه الألباني في التعليقات الحسان (٦٥٢٨)]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧] !!
كذلك يحتاج كل مسلم إلى إدراك شدة غضب الله تعالى على الكافرين في هذه الدنيا؛ حتى لا تضعف في حسه عقيدة الولاء والبراء؛ التي كان عليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وأصحابه رضوان الله عليهم، قال تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: ٢٢]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ) [حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٣٠٣٠)] م.. فيُبغِض بحق وصدق عقائد وعبادات الكافرين، وأمّا التعاملات فتكون وفق ضوابط الشرع الحنيف !!
وإنه لمن المؤلم حقا في عصرنا -وقد اقترب عيد النصارى: (الكرسمس)؛ الذي يحتفلون فيه بعيد ميلاد إلههم عيسى؛ تعالى اللهً عما يقولون علوا كبيرا-، أقول من المؤلم أن نجد من يبادر من أبناء المسلمين بتهنئة النصارى بعيدهم الكفري، وما كان ذلك ليحصل منهم إلا لجهلهم بمعنى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ}؛ كما مر معنا، وهو شدة غضب الله تعالى على الكافرين -في هذه الدنيا- من أي مِلة كانوا، فيقعون بتهنئتهم في ذنب عظيم، فكيف بذنب من يشاركهم في الاحتفال بذلك العيد؛ ويقتني شجرة الكرسمس كما يفعل النصارى ؟؟!!
هذا، وقد أفاض القرآن الكريم في بيان شدة غضب الله تعالى على الكافرين؛ ومقتهم في هذه الدنيا، وفيما يلي بعض الآيات الكريمات الدالة على ذلك:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: ١٥٢] .. الآية الكريمة فيها بيان غضب الله تعالى على اليهود قوم موسى عليه السلام !!
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: ١٦] .. الآية الكريمة فيها بيان غضب الله تعالى على كل من يجادل في دين الله تعالى بالباطل !!
وقال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: ٦] .. الآية الكريمة فيها بيان غضب الله تعالى على المنافقين والمشركين !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وأبان لنا فيه غضب الله تعالى وسخطه على الكافرين في الدنيا؛ حتى لا نتخذهم أولياء من دون المؤمنين؛ ونسلم من كيدهم ومكرهم !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..