الحلقة الرابعة والثمانون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية”، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: ٧٨] !!
إنه الأسلوب القرآني الرباني المطّرِد: بذِكر النِعم التي أودعها الله تعالى جِسم الإنسان -السمع والأبصار والأفئدة؛ وغيرها كثير؛ كما سيأتي بيانه- دون ذِكر جلال وجمال تفاصيل خلْقِها البديع الدقيق -الذي يسّرَ الله معرفته في عصرنا- كالعين مثلا: وتفاصيل شبكيتها بخلاياها المليونية؛ وعدستها؛ وكيف يتم تصوير ما حولنا من أشياء لنتمكن من رؤيتها ؟!!
والقرآن الكريم حين يترك الحديث عن تلك التفاصيل الدقيقة لجلال وجمال صُنع الله في خلقه؛ لا يتركها لعدم أهميتها .. كلا .. كلا .. إنما يتركها ليتحدث عمّا هو أهم وأعظم من ذلك بمرات لا تُحصى: إنه الحديث عن أثر هذه النِعم على حياة الإنسان؛ لعلّه يكون من الموحدين الطائعين الشاكرين، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} !!
والسؤال الذي يطرح نفسه:
ما هي بعض أنواع النِعم المختلفة؛ التي أودعها الله تعالى جِسم الإنسان؛ وكيف يكون شُكر الله تعالى عليها ؟
الجواب:
المتأمل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) [متفق عليه]؛ المتأمل في الحديث الشريف يجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أجزاء من جِسم الإنسان:
اللسان الذي تخرج منه الكلمة الطيبة؛ والأرجل التي تخطو إلى الصلاة؛ والأيدي التي تميط الأذى عن الطريق .. كل هذه الأعضاء يتقرب بها المسلم بأعمال صالحة لشُكر الله على نِعمة كل مفصل من مفاصل جسده، قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ)، السلامى أي المفصل .. وسبق وأن علمنا من آية التأمل في المقال عن السمع والأبصار والأفئدة !!
عليه، فهذا سرد لأسماء بعض النِعم التي أودعها الله تعالى أجسامنا؛ والتي جاء ذكرها في النصوص الشرعية -إمّا تصريحا وإمّا ضمنا- أسردها بمصطلحاتها العلمية الطبية:
من الحواس: السمع والبصر واللسان !!
من أجهزة الجسم الرئيسة: الجهاز الدوري: “القلب”، والجهاز العصبي: “العقل”، الجهاز اللحافي: “الجلد”، والجهاز التنفسي: “الرئة”، الجهاز العظمي: “المفاصل”، والجهاز العضلي، والجهاز التناسلي !!
ولبيان سُبُل شكر الله تعالى على هذه الحواس والأنظمة؛ أقول وبالله التوفيق:
أولا:
السمع والبصر والفؤاد:
قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦] !!
على المسلم أن يتقي الله تعالى في سمعه وبصره وفؤاده -بمعرفة شرع الله تعالى- حتى يستعمل هذه النِعم فيما يرضي الله تعالى !!
ثانيا:
اللسان والأيدي والأرجل:
قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: ٢٤] !!
وإذا كان الله تعالى سيُنطِّق هذه الأعضاء يوم القيامة -وكذا السمع والبصر يُنطِّقهما والجلود- فحري بالمسلم أن يستعملها فيما شرع سبحانه؛ لينال رضاه !!
ثالثا:
جِلد الإنسان:
قال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: ٢١] !!
من أقبح وأرذل ما وقعت فيه الحضارة المادية تعرية أجساد النساء، وهي تعرية لأكبر كتلة في الجسم؛ الجِلد !!
كما عبثوا بجلودهم بالوشم، قال صلى الله عليه وسلم: (لعنَ اللهُ الواشماتِ، والمسْتَوْشِماتِ) [متفق عليه] !!
وكذلك ثقب الجلد في عشرات المواضع للتزين بالحُلِي، وقد سجلت البرازيلية إلين ديفيدسون (Elaine Davidson) الرقم الأعلى عالميا في ثقب جلدها (٦٠٠٥ ثقبا) !!
رابعا:
الجهاز التنفسي:
قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] !!
خلق الله تعالى الجهاز التنفسي لاستنشاق الهواء النقي؛ وليس الدخان؛ وما شابهه من الخبائث !!
خامسا:
الجهاز التناسلي: موطن الشهوة الجنسية:
الزواج عفاف وفضيلة .. يؤجر المسلم إذا أتى شهوته بالحلال، قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ) [رواه مسلم (١٠٠٦)] !!
سادسا:
الجهاز العضلي، والجهاز العظمي:
وهما جهازان مهمان جدا؛ إذ بهما يتحرك جسد المسلم لأداء عباداته المختلفة؛ وأعمال بره الكثيرة .. وينبغي على المسلم الابتعاد بجسده عن أذى نفسه؛ أو غيره؛ أو مجتمعه !!
سابعا:
أمّا باقي الأجهزة في جِسم الإنسان: كالجهاز المناعي؛ والهرموني؛ وغيرهما؛ فهي نِعم عظيمة؛ تسنُد -بقدرة الله تعالى- جسد الإنسان ليقوم بوظائفه الحيوية؛ ومن ثم يتمكن من التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وشرع لنا فيه شرائع تعيننا على شُكر ما أودع في أجسامنا من النِعم !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..