الحلقة الثامنة والسبعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: ٧١] !!
صدّع أرباب الحضارات المادية رؤوسنا في هذا العصر؛ عند الحديث عن التخطيط الاستراتيجي للمشاريع -سواء كان المشروع صغيرا أو كبيرا؛ أو كان يخص فردا أو المجتمع- بضرورة النظر إلى الصورة الأكبر -أي النتائج المستقبلية للمشروع- بعد وضع الرؤى والأهداف !!
أقول نعم .. النظر إلى الصورة الأكبر عند التخطيط للمشاريع أمر جيد ومحمود .. إنما الأمر المُفجِع والكارثي أن تُختزل الصورة الأكبر لنتائج المشاريع، وذلك بحصر أثرها على هذه الحياة الدنيا فقط، أمّا أثر نتائجها على الدار الآخرة؛ ومجازاتهم فيها؛ فهم عنه غافلون !!
الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- تخاطب أهل النار بأسلوب تقريعي توبيخي، وذلك بتذكيرهم بما أنذرتهم به الرسل -عليهم السلام- من وجود صورة أكبر من هذه الحياة الدنيا -{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ}-؛ ألم يقولوا لكم إن هناك الدار الآخرة؛ تتكشف للناس فيها نتائج مسيرة حياتهم، دار تنهار فيها عبادة الآلهة المزعومة؛ وتتفكك التحالفات والولاءات البشرية الزائفة المشؤومة، ولا تبقى سوى علاقات المتقين يوم القيامة، قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: ٦٧] !!
هذا وإن من أجهل الناس دراية بالصورة الأكبر لحياة الناس -اليوم الآخر- هي مجتمعات الحضارات المادية؛ التي أغلقت وصدّت أتباعها عن أكبر وأعظم مصدر للعلم الحق؛ عِلم علام الغيوب سبحانه !!
ولذا لم يحسب اليهود والنصارى وغيرهم من ملل الكفر والضلال أيّ حساب للآخرة، إذ هم أصلا ما عبدوا الله حق عبادته في هذه الدنيا؛ فأنى لهم أن يدركوا أهوال يوم القيامة؛ المبينة في الكتاب والسنة ؟! ولذا علينا أهل الإسلام أن نبين لغير المسلمين والمنافقين وقائع مخيفة ومخزية تمسهم يوم القيامة -إلا أن يتوبوا إلى الله رب العالمين-، من ذلك:
أولا: تعريف اليهود والنصارى بتكذيب الله تعالى لهم يوم القيامة؛ فيما زعموا من آلهة كانوا يعبدونها:
اليهود والنصارى؛ الذين يخططون اليوم لحروب ومجازر للمسلمين؛ ويضعون الرؤى والأهداف لذلك الإجرام؛ غافلين عن الصورة الأكبر التي بينتها نصوص الوحي المطهر من الكتاب والسنة؛ التي تبين باطل ما هم عليه اليوم؛ وضخامة خسارتهم يوم القيامة .. في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (فيُدعى اليَهودُ، فيُقالُ لهم: ما كُنتُم تَعْبُدونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعبُدُ عُزَيرَ ابنَ اللهِ، فيُقالُ: كذَبتُم ما اتَّخَذَ اللهُ من صاحِبةٍ ولا وَلَدٍ، فماذا تَبْغونَ؟ قالوا: عَطِشْنا يا رَبَّنا، فاسْقِنا، فيُشارُ إليهم ألَا تَرِدونَ؟ فيُحشَرونَ إلى النَّارِ كأنَّها سَرابٌ يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا، فيَتَساقَطونَ في النَّارِ، ثُمَّ يُدعى النَّصارى، فيُقالُ لهم: ما كُنتُم تَعْبُدونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعبُدُ المَسيحَ ابنَ اللهِ، فيُقالُ لهم، كذَبتُم ما اتَّخَذَ اللهُ من صاحِبةٍ ولا وَلَدٍ، فيُقالُ لهم: ماذا تَبغُونَ؟ فيَقولونَ: عَطِشْنا يا رَبَّنا، فاسْقِنا، قال: فيُشارُ إليهم ألَا تَرِدونَ؟ فيُحشَرونَ إلى جَهنَّمَ كأنَّها سَرابٌ يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا، فيَتَساقَطونَ في النَّارِ) [متفق عليه] !!
ثانيا: تعريف المنافقين: بعدم قدرتهم على السجود لرب العالمين يوم القيامة:
قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: ٤٢] !!
قال صلى الله عليه وسلم: (يَكْشِفُ رَبُّنا عن ساقِهِ، فَيَسْجُدُ له كُلُّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنَةٍ، فَيَبْقَى كُلُّ مَن كانَ يَسْجُدُ في الدُّنْيا رِياءً وسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا واحِدًا) [رواه البخاري (٤٩١٩)] .. أي: جُعلت ظهورهم فقارًا واحدًا، لا يستطيعون الانحناء ولا السجود !!
ثالثا: تعريف المُنعّمين والمترفين -من المتمردين على الله- بأنه سبحانه سينسيهم يوم القيامة كل نعيم ذاقوه في الدنيا:
قال صلى الله عليه وسلم: (يؤتَى يومَ القيامةِ بأنعَمِ أَهْلِ الدُّنيا منَ الكفَّارِ، فيُقالُ: اغمِسوهُ في النَّارِ غَمسةً، فيُغمَسُ فيها، ثمَّ يقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ نعيمٌ قطُّ ؟ فيقولُ: لا، ما أصابَني نعيمٌ قطُّ) [صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٤٣٢١)] !!
رابعا: تعريف الكافرين؛ بأنهم سيسحبون على وجوههم إلى جهنم يوم القيامة:
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٣٤] !!
في الحديث: أنَّ رَجُلًا قالَ: “يا نَبِيَّ اللَّهِ، يُحْشَرُ الكَافِرُ علَى وجْهِهِ يَومَ القِيَامَةِ؟! قالَ صلى الله عليه وسلم: (أليسَ الذي أمْشَاهُ علَى الرِّجْلَيْنِ في الدُّنْيَا قَادِرًا علَى أنْ يُمْشِيَهُ علَى وجْهِهِ يَومَ القِيَامَةِ؟) [متفق عليه] !!
ولا يفوتني في نهاية المقال أن أبين أن الإسلام لم يوجه أتباعه للعناية بمشاريعهم فقط؛ لتكون وفق ضوابط الشرع الحنيف، بل حثهم على إصلاح كل عمل؛ حتى لو كان بمثقال الذرة، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ • وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧-٨] !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه أركان الإيمان؛ ومنها الإيمان باليوم الآخر !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..