التأمل المفيد (٣٩٥)

الحلقة السادسة والسبعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[النمل: ٧٦] !!

قد يظن قارئ الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- أن الحديث خاص باختلاف اليهود فيما بينهم؛ لورود كلمة {بَنِي إِسْرَائِيلَ} في الآية، لكن الواقع أن المقصود بالمختلفين في الآية هم اليهود والنصارى؛ كما بين ذلك الإمام الطبري؛ حيث قال رحمه الله: “إن هذا القرآن الذي أنـزلته إليك يا محمد يقصّ على بني إسرائيل الحقّ، في أكثر الأشياء التي اختلفوا فيها, وذلك كالذي اختلفوا فيه من أمر عيسى, فقالت اليهود فيه ما قالت, وقالت النصارى فيه ما قالت, وتبرأ لاختلافهم فيه هؤلاء من هؤلاء, وهؤلاء من هؤلاء, وغير ذلك من الأمور التي اختلفوا فيها” !!

حينما تعيش أمة من الأمم اختلافات مريرة -مزقتها كل ممزق- ونشبت بسببها الحروب الضارية بين طوائفها المختلفة؛ ثم يأتيهم من لدن الحكيم العليم -خالقهم ورازقهم- البيان الشافي لأسباب اختلافهم؛ وبيان المخرج -الحق- لهم من كل هذا التنافر والتقاتل، قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}؛ ثم نجدهم يصدون عن هذا البيان الشافي ويعرضون؛ إن ذلك بحق لهو الخسران المبين !!

وفيما يلي أعرِض اختلافين كبيرين بين اليهود والنصارى؛ وحُكْم الإسلام فيهما:

الاختلاف الأول:

الموقف من نبي الله إبراهيم عليه السلام:

المِلة اليهودية:

يزعمون إقرارهم بنبوة إبراهيم وباقي الرسل عليهم السلام -قلت يزعمون؛ لأنهم ليسوا موحدين كالرسل عليهم السلام، وكذلك لم يؤمنوا بخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام؛ الذي أخذ الله تعالى الميثاق على كل نبي أن يؤمن به صلى الله عليه وسلم-، ومن عظيم كذبهم وافترائهم ادعاؤهم أن إبراهيم -عليه السلام- كان على دين اليهود؛ أي كان يهوديا !!

المِلة النصرانية:

بسبب إيمانهم بالعهد القديم -التوراة- فإنهم يزعمون إقرارهم بنبوة إبراهيم وباقي الرسل عليهم السلام -قلت يزعمون؛ لأنهم ليسوا موحدين كالرسل عليهم السلام، وكذلك لم يؤمنوا بخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام؛ الذي أخذ الله تعالى الميثاق على كل نبي أن يؤمن به صلى الله عليه وسلم-، ومن عظيم كذبهم وافترائهم ادعاؤهم أن إبراهيم -عليه السلام- كان على دين النصارى؛ أي كان نصرانيا !!

حُكْم الإسلام في هذا الاختلاف:

جاء النص الشرعي يقص الحق في بيان بطلان ادعاء أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ • هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ • مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: ٦٥-٦٧]، قال أهل التفسير: “يا أصحاب الكتب المنزلة من اليهود والنصارى، كيف يجادل كل منكم في أن إبراهيم عليه السلام كان على ملَّته، وما أُنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده؟ أفلا تفقهون خطأ قولكم: إن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، وقد علمتم أن اليهودية والنصرانية حدثت بعد وفاته بحين؟” !!

الاختلاف الثاني:

نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان:

المِلة اليهودية:

لا يؤمن اليهود أصلا بأن عيسى -عليه السلام- نبي مرسل، إنما يؤمنون أنه رجل يهودي صالح؛ متبع للتوراة .. ولذا لا يؤمنون برفع الله تعالى لعيسى عليه السلام؛ ولا بنزوله آخر الزمان .. إنما يعتقدون -باطلا- مجيئ شخص اسمه المسيح؛ من نسل داود عليه السلام؛ زعموا !!

المِلة النصرانية:

يعتقد النصارى أن ربهم عيسى -ابن الله المصلوب؛ زعموا- سيأتي على السحاب؛ ويخطف أتباعه ليكونوا مع أبيه في السماء .. ولذلك يطلقون على مجيئه: (الخطف) (Rapture)، جاء في رسالة تسالونيكي الأولى: “ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ” (4 :17) !!

حُكْم الإسلام في هذا الاختلاف:

جاء النص الشرعي يقص الحق في بيان بطلان عقيدة اليهود والنصارى في نزول عيسى -عليه السلام- إذ يؤمن أهل الإسلام أن الله تعالى حفِظه من القتل أو الصلب؛ ورفعه إلى السماء، قال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ}[النساء: ١٥٧]، وقال تعالى: {بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: ١٥٨] .. كما يؤمنون بنزوله -عليه السلام- في آخر الزمان، قال صلى الله عليه وسلم: (والَّذي نفسي بيدِه ليوشِكنَّ أن ينزلَ فيكم ابنُ مريمَ حَكمًا مقسطًا فيَكسرُ الصَّليبَ ويقتلُ الخنزيرَ ويضعُ الجزيةَ ويفيضُ المالُ حتَّى لا يقبلَه أحدٌ) [متفق عليه] !!

وقد بينت النصوص الشرعية أن مسيح اليهود -الذي ينتظرونه- هو المسيح الدجال، قال صلى الله عليه وسلم؛ (يَتْبَعُ الدَّجّالَ مِن يَهُودِ أصْبَهانَ سَبْعُونَ ألْفًا عليهمُ الطَّيالِسَةُ) [رواه مسلم (٢٩٤٤)] !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين فيه اختلافات اليهود والنصارى؛ وحُكْم الإسلام في هذه الاختلافات !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..