التأمل المفيد (٣٩٣)

الحلقة الرابعة والسبعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

 قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} [الأنعام: ٩١] !!

من أعظم النعم التي منّ الله تعالى بها على الثقلين -الإنس والجن-: الوحي المُطهّر؛ الذي أنزله على رسله عليهم الصلاة والسلام !!

كما أن من أعظم الخسران الذي حل بغير المسلمين؛ وذاقوا بسببه العذاب في الدنيا والآخرة: هو عدم تقديرهم لله تعالى حق قدره، من ذلك قولهم ما أنزل الله على رسله عليهم السلام من شيء، قال تعالى في الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} !!

الوحي المُطهّر نعمة كبرى؛ يقدِّرها من عرف الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ ومنها صفة الكلام لله تعالى؛ من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل .. أما الجهلة بالله العظيم -الذين لا يستشعرون نعمة الوحي- فقد أفصحوا بألسنتهم عن ضحالة تفكيرهم وسذاجة منطقهم:

فمنهم من أوصلهم الجهل بالله تعالى -بأسمائه الحسنى وصفاته العليا- إلى أن يطمع كل واحد منهم أن يُنزل عليه كتاب من عند الله، قال تعالى: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُّنَشَّرَةً} [المدثر: ٥٢]، وهو طلب ساذج؛ ما زادهم إلا انحطاطا في التفكير، إذ لا يُعقل أن يسأل أحد هذا السؤال؛ إلا إذا كان لا يؤمن بالآخرة؛ ولا يخشاها؛ كما جاء في الآية التي بعدها، قال تعالى: {كَلَّا ۖ بَل لَّا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ} [المدثر: ٥٣] !!

ومنهم من أوصلهم الجهل بالله تعالى -بأسمائه الحسنى وصفاته العليا- إلى رد ما جاء في الوحي المُطهّر من آيات بينات وحجج ظاهرات -ردوه بمنطق الأطفال- فقالوا: أَبَشَرٌ مثلنا يهدوننا، قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا ۚ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: ٦]، حجة بائسة؛ وتفكير قاصر؛ وطفولية في المنطق؛ تماما كما يرد الأطفال على الكبار بأي مفردات يعرفونها !!

وكذلك مجتمعات الحضارات المادية المعاصرة، فبالرغم من سهولة الإيمان بالوحي المُطهّر -إذ الوحي أمر معجز؛ ظاهر في إعجازه- إلا إنهم عموا وصمّوا عن استيعابه -بعد أن أفقدهم التحريف في التوراة والإنجيل؛ نعمة استشعار الوحي المُطهّر- فحرموا أنفسهم من بركة القرآن الكريم؛ الذي فيه تبيان لكل شيء !!

وبسبب عدم استسلام تلك المجتمعات لدعوة خاتم النبيين -عليه الصلاة والسلام- وعدم إيمانهم بقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: ٥١]؛ أقول بسبب ذلك نجدهم قد تطرّفوا في موضوع الوحي المُطهّر:

بين منكر له البتة؛ كما جاء في مقال بعنوان: (Arguments against the idea of revelation) (الحجج ضد فكرة الوحي) !!

وبين آخرين افتروا على الله كذبا؛ فقالوا: “إن تلقي الوحي هو نوع من الفن”، وقالوا: “ولكن الله يستطيع أن يتحدث من خلال أي شخص؛ شاباً كان أو كبيراً؛ مؤمناً كان أو غير مؤمن”، جاء ذلك في مقال بعنوان: (7Proven Ways to Receive Revelation)(‎سبع طرق مجربة لتلقي الوحي) .. وقد شاهدت شخصيا الكثير من المقاطع على اليوتيوب يدعي فيها قساوسة أن الإله يكلمهم .. تعالى الله عمّا يقول الكافرون علوا كبيرا !!

ولأن أمر الوحي عظيم للغاية؛ فإنه ينبغي على دعاة الإسلام طرحه على مجتمعات الحضارة المادية بطريقة القرآن الكريم البليغة؛ وحججه الدامغة؛ التي تعينهم على الاستسلام والانقياد لله رب العالمين، من ذلك قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: ٣٦]، فهل يُعقل أن يستأجر الإنسان أجيرا؛ ثم يتركه هملا؛ لا يأمره ولا ينهاه ؟! ولله المثل الأعلى .. كيف تظنون أن الله تعالى يخلق خلقا؛ ثم يتركهم هملا ؟!

وكذلك ما دام أنه قد صار من المتعارف عند الناس أن عصرنا هو عصر الثورة المعلوماتية؛ إذن لتعلم شعوب الحضارات المادية أن أعظم مقصد لنزول الوحي المُطهّر هو العلم، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١] .. لكنه العلم الذي لا يقفز إلى الاهتمام بعلوم المادة، بل يبدأ بالتعريف بالله تعالى؛ واستحقاقه سبحانه وحده للعبادة؛ ومن ثم الانقياد لمنهجه القويم؛ فمن وُفِّق لذلك -وكان همّه الآخرة- أتته الدنيا وهي راغمة؛ كما جاء بذلك النص الشرعي [صححه الألباني في صحيح الجامع (٦٥١٠)] !!

أمّا أهل الإسلام، فإنهم لم يدركوا فقط عظمة الوحي المُطهّر؛ بل أقبلوا عليه تلاوة؛ وتدبرا؛ وفهما؛ وحفظا .. ثم أخذوا يبلغونه للناس؛ امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)[رواه البخاري (٣٤٦١)] !!

بل قد أحزنهم انقطاع الوحي المُطهّر .. فهذه أم أيمن رضي الله عنها؛ تقول لأبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما؛ حين زاراها وسألاها -بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم- عمّا يبكيها؛ وأن ما عند الله خير لرسوله؛ قالت: “إنِّي لأعلمُ أنَّ ما عندَ اللَّهِ خيرٌ لرسولِهِ، ولَكن أبْكي أنَّ الوحيَ قدِ انقطعَ منَ السَّماء” [رواه مسلم (٢٤٥٤)] .. ألا ما أسعد أهل الإسلام بوحي السماء؛ وما أشد فرحتهم به !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وجعل الوحي المُطهّر ذكر للعالمين !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..

نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..

 كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..

انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..

وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..