الحلقة الحادية والسبعون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: ٨] !!
من أبرز الموضوعات التي طغت على تراشقات وتلاوم الحزبين -الجمهوري والديمقراطي- في الانتخابات الأمريكية الحالية؛ موضوع الهجرة والمهاجرين: (Immigration) و (Immigrants)؛ إلى أمريكا !!
ولأن الإسلام هو الرسالة الخاتمة من رب العالمين إلى الناس كافة -وقد أكمله سبحانه وأتمه- فلا يوجد موضوع يمس حياة الناس؛ إلا وقد بينه أحسن بيان، من ذلكم موضوع الهجرة !!
فبينما كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ والمهاجرين رضوان الله عليهم من مكة إلى المدينة سامية الهدف، كما جاء في الآية -التي هي موضع التأمل في هذا المقال: -{يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}-، وتجلى فيها كرم ومواساة الأنصار لإخوانهم المهاجرين -حيث كانوا يشاركونهم الغاية السامية نفسها- بعد أن آخى صلى الله عليه وسلم بينهم !!
أقول: بينما كانت الهجرة من مكة إلى المدينة على تلك النية العظيمة -عبادة الله تعالى- نجد العكس تماما في الهجرة لدى مجتمعات الحضارة المادية؛ التي ألغت من قائمة أهدافها -عند استقبال المهاجرين- موضوع عبادة الله تعالى العظيم؛ واتباع نهجه القويم، وهو الأمر الذي خاطب الله تعالى به كافة الناس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ٢١] !!
ومن أضخم الهِجْرات لدى مجتمعات الحضارة المادية: الهجرة إلى أمريكا لتحقيق الحُلُم الأمريكي: (American Dream)، إذ تدعي أمريكا باطلا أنها زعيمة العالم الحر -وما هي بحرية حقّة؛ إنما هي الحرية البهيمية- التي جعلت أقصى أهدافها إشباع الشهوات لا غير !!
فما هو الحُلُم الأمريكي ؟
جاء في تعريف الحُلُم الأمريكي؛ كما في قاموس أكسفورد أنه: “المثل الأعلى الذي ينص على أن كل مواطن في الولايات المتحدة؛ يجب أن يتمتع بفرصة متساوية؛ لتحقيق النجاح والازدهار من خلال العمل الجاد والتصميم والمبادرة” !!
وقد جذب تعريف الحُلُم الأمريكي الملايين إلى الهجرة إلى أمريكا؛ لِما فيه من الحث على العمل الجاد؛ لكنه أغفل الحديث عن الدين؛ بجعله أمرا شخصيا؛ ليتماشى مع دستورهم المتبني فصل الدين عن الدولة -في علمانية متوحشة- .. وفيما يلي بيان مأساتين اثنتين من بين المآسي الكثيرة التي يعيشها اللاهثون وراء الحُلُم الأمريكي:
أولا:
إشباع الشهوات بما حرّم الله تعالى:
قال صلى الله عليه وسلم: (من حفِظ لي ما بين لحييْهِ وما بين رِجليْهِ أضمنُ له الجنةَ) [حسّن إسناده ابن حجر في فتح الباري (11/315 )] !!
يا لله .. كم تحتاج مجتمعات الحضارة المادية إلى الإيمان بالله تعالى؛ ومن ثم العيش بأمن وسلام في ظل توجيهات المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ بحفظ اللسان والفرج من الوقوع في الحرام ؟!!
لكن على العكس تماما، فقد أطلق أرباب تلك الحضارات لهاتين الشهوتين -اللسان والفرج- العنان؛ فكان أن غرِق الكثير من المهاجرين في مستنقع الحرية البهيمية؛ من العلاقات المحرمة؛ والشذوذ؛ والتحول الجنسي؛ وبارات الخمور؛ ومراقص الشهوات الإباحية، ناهيك عن مخاطر جرائم القتل والاغتصاب .. فكيف ونحن نعلم أن النجاح المادي -حين يتحقق الحُلُم الأمريكي لأحد- فإنه لا يحميه من هذه الرذائل التي تدغدغ الشهوات ؟!!
ثانيا:
عقوق الوالدين:
قال تعالى عن يحي عليه السلام: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا} [مريم: ١٤]، وقال تعالى حاكيا قول عيسى عليه السلام: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم: ٣٢] .. يا لله .. إن أعظم تربية للإنسان؛ تحميه من أن يصبح جبارا ومتكبرا؛ هو بره بوالديه .. فماذا قدمت الحضارة المادية تجاه موضوع بر الوالدين ؟
إن بيئة الحرية البهيمية التي يعيشها أطفال المهاجرين في أمريكا؛ قلّصت من قدرة الوالدين على تربية الأبناء؛ وصار بر الوالدين الذي قال الله تعالى فيه: {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: ٢٣]؛ عملة نادرة .. أمّا عند بلوغ البنين والبنات سن الثامنة عشرة؛ فإن مصطلح بر الوالدين يصبح من الماضي السحيق !!
وكم عانى من هاجر من المسلمين إلى تلكم الديار الكافرة في تربية الأبناء ؟؟!! ولو أنهم امتثلوا لتحذير الشرع من الإقامة بين ظهراني المشركين؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) [صححه الألباني في إرواء الغليل (5/30)]؛ لحافظوا على أبنائهم من رجس الكافرين !!
وبالرغم من كل ما مر معنا آنفا من كوارث ومصائب؛ وبالرغم كذلك ممّا نشاهده من تسارع في وتيرة تهدم القيم والأخلاق في مجتمعات الحضارة المادية؛ إلا أن الهجرة مستمرة إليها؛ ليقع في شباكها المُمِيتة السُذج والرعاع وسفهاء الأحلام !!
فمتى يفيق الحالمون بالحُلُم الأمريكي من سكرتهم؛ ويفروا إلى خالقهم العظيم؛ ومنهجه القويم، قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: ٥٠] ؟!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ وبين لنا فيه الغاية العُظمى من وراء الهجرة المحمدية من مكة إلى المدينة !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..