الحلقة التاسعة والستون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّه} [الأعراف: ١٣١]، قال أهل التفسير: “فإذا جاء فرعونَ وقومَه الخِصْبُ والرزقُ قالوا: هذا لنا بما نستحقه، وإن يُصِبْهم جدب وقحط يتشاءموا، ويقولوا: هذا بسبب موسى ومَن معه. ألا إنَّ ما يصيبهم من الجدب والقحط إنما هو بقضاء الله وقدره، وبسبب ذنوبهم وكفرهم” !!
يالله .. كم هو مدهش كتاب ربنا تعالى !؟ ويالله كم تحتاج الحضارات المادية إلى توجيهاته المباركة -لينقذهم من مسببات الانهيار القيمي والأخلاقي المتسارع- ومنه السلوك المنحرف -إلقاء اللوم على الآخرين؛ فيما يحل بهم من مصائب- الذي بينته الآية -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ} !؟ وقد بات هذا السلوك ثقافة معروفة في مجتمعاتهم؛ حتى أسموه: (blame game) (لعبة اللوم)، وقد كتب عن هذا السلوك الإجرامي الكثير من كتابهم !!
وإني لأجزم أن السبب الرئيس وراء هذا السلوك الخاطئ -إلقاء اللوم على الآخرين-؛ هو فقدهم للمرجعية الحقّة التي يرجعون إليها عند الاختلاف -القرآن الكريم؛ والسنة المطهرة-، سواء كان هذا الاختلاف مع غيرهم من الأمم؛ أو فيما بينهم، ومن ثم يسهل عليهم التملص من الأخطاء، قال تعالى: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ} .. كما أجزم أيضاً أن هذا السبب الرئيس الذي بينته آنفا؛ هو الذي سيزيد من تغلغل هذا السلوك الشائن في ثقافتهم !!
كما علينا أن ندرك كذلك أن هذا السلوك المعوج هو ديدن الكفار على الدوام .. فقد ألقت ثمود باللوم على نبي الله صالح -عليه السلام- ومن معه، قال تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ} [النمل: ٤٧] !!
أمّا في المجتمع المسلم؛ فقد حسم الله الحُكم على هذا السلوك الخاطئ -بتحريمه- حين خاطب الوحي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ في قضية اللوم الذي ألقاه بعضهم على رجل برئ، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: ١٠٥]، قال أهل التفسير: “إنا أنزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن مشتملا على الحق؛ لتفصل بين الناس جميعًا بما أوحى الله إليك، وبَصَّرك به، فلا تكن للذين يخونون أنفسهم -بكتمان الحق- مدافعًا عنهم بما أبدوه لك من القول المخالف للحقيقة” !!
والسؤال الذي يطرح نفسه:
على من يلقي أرباب الحضارة المادية اللوم؛ فيما ينزل بهم من مصائب وطامات وكوارث وحروب ؟
الجواب:
بسبب ثقافة (لعبة اللوم) (blame game)؛ فإن أرباب الحضارة المادية يلقون باللوم -لِما يحل بهم من مصائب- على أكثر من جهة، أذكر اثنين منها:
أولا:
إلقاء اللوم على الإسلام والمسلمين:
قال تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: ١٩] !!
هذه الآية الكريمة نزلت في مشركي مكة؛ حين ألقى الطاغية أبو جهل باللوم على الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل الاشتباك يوم بدر -وكأن شركهم بالله لم يكن سببا لذلك القتال !!-، فقال: “اللهم أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا نعرفه، فأحنه الغداة” [سيرة ابن هشام (٦٢٨/١)] !!
ولأن العبرة في أسباب النزول بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فإن قضية إلقاء اللوم على الإسلام والمسلمين تتكرر في هذا العصر عند الحديث عن الإرهاب !!
وأوضح مثال على ذلك: حرب الإبادة للفلسطينيين في غزة؛ التي شارك فيها اليهود والنصارى معا .. حيث يُلقى باللوم على المسلمين المستضعفين والمحاصرين -منذ عقود- في فلسطين، ونسي المجرمون كم أجهضت أمريكا -باستخدام حق الفيتو- من قرارات لهيئة الأمم المتحدة؛ كان من شأنها ردع دولة الكيان الغاصب؛ ولو شيئا يسيرا .. وهذا في حقيقته هو الإرهاب الدولي؛ الذي يستهدفون به الإسلام والمسلمين !!
وكذلك يلقون باللائمة على الإسلام؛ وأنه يُضَيّق على الحريات؛ عند الحديث عن حريتهم البهيمية؛ التي أفرزت: الشذوذ والعلاقات المحرمة، وغير ذلك من الرذائل !!
ثانيا:
إلقاء اللوم على بعضهم البعض:
قال تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٧٦] !!
اليهود -كما في الآية الكريمة- بدلا من قبول الإسلام بصدق؛ راحوا -إذا خلا بعضهم إلى بعض- يتلاومون على بيان بعضهم للمؤمنين؛ بشارات التوراة ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم !!
وليس غريبا على أرباب الحضارة المادية -في عصرنا- إلقاء اللوم على بعضهم البعض، فها هم في الحملة الانتخابية في أمريكا؛ يلقي كل حزب باللوم على الحزب الآخر؛ بالفشل في جميع القضايا المطروحة .. وقد يتعدى هذا التلاوم إلى العنف، كما حصل في انتخابات عام ٢٠٢٠ من الميلاد؛ باقتحام مبنى الكونجرس !!
أمّا إلقاء اللوم بين الأفراد -بعضهم البعض- فحدِّث ولا حرج .. على سبيل المثال: عند الخلافات الأسرية؛ يلقي كل طرف باللوم على الآخر؛ لفقدهم شرع الله الحكيم في تنظيم حياة الأسرة !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ فيه الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط؛ وليس بالتلاوم !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..