الحلقة السادسة والستون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: ٦٧] !!
جاءت الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال- لتبين أن من الآلهة التي تُعبد من دون الله: بعض البشر الضالين المُضِلين .. وذلك حتى لا يتصور أحد أن الآلهة التي يعبدها المشركون؛ تكون دائما على شكل أصنام من الحجارة؛ أو غير ذلك من المواد !!
حول مفهوم الآية الكريمة عن الأسياد والكبراء المُضِلين؛ وجدت تطابقا لمفهوم الآية على حملة الانتخابات الأمريكية المسعورة هذه الأيام؛ وما فيها من طرح لسياسات الحِزبَين الرئيسين -الجمهوري والديمقراطي- اللذين زاد عدد المصوتين لهما -عام ٢٠٢٠ من الميلاد- عن المائة وخمسين مليونا، وأدركت حينها أن هذه الشعوب ترزح تحت صور من العبودية للبشر؛ الذي أشارت إليه الآية الكريمة: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: ٦٧] .. ولبيان ذلك سأبدأ بالحديث عن الأسياد والكبراء المُضلين من رجال الدين لديهم؛ الذين مهّدوا لعبودية ساسة الأحزاب السياسية المُضلين، فأقول وبالله التوفيق !!
الصورة الأولى من صور العبودية للبشر:
الأسياد والكبراء -الضالون المُضِلون- في الكنائس النصرانية؛ والمعابد اليهودية:
مع أن اليهود والنصارى قد زخِرت كتبهم بالبشارة بخاتم النبيين -عليه الصلاة والسلام-، قال تعالى حاكيا قول عيسى عليه السلام: { .. وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ..} الآية [الصف: ٦] .. إلا أن الأحبار والرهبان حرّفوا كتبهم؛ ومنها هذه البشارات؛ وأخفوها عن أتباعهم !!
ولذا فإن من أعظم ما يُنصح به اليهود والنصارى عموما؛ والأحبار والرهبان على وجه الخصوص؛ هو تحذير الجاهل منهم بالشرك؛ وذلك بدعوته إلى التوحيد؛ واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم .. وهذا هو عين ما فعله صلى الله عليه وسلم مع عدي بن حاتم رضي الله عنه -الذي كان نصرانيا قبل إسلامه- حيث بين له نوع الشرك الذي كان يجهل أنه متلبس به .. عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: “أتيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليبٌ من ذَهبٍ. فقالَ: (يا عديُّ اطرح عنْكَ هذا الوثَنَ). وسمعتُهُ يقرأُ في سورةِ براءةٌ {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قالَ عليه الصلاة والسلام: (أما إنَّهم لم يَكونوا يعبدونَهم ولَكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لَهم شيئًا استحلُّوهُ وإذا حرَّموا عليْهم شيئًا حرَّموه) [حسنه الألباني في صحيح الترمذي (٣٠٩٥)] !!
غير أن الأحبار والرهبان -الذين استمروا كأسلافهم في رفض رسالة الإسلام الخاتمة- كانوا السبب الأكبر في أن تؤول مجتمعاتهم في هذا العصر إلى مجتمعات متوحشة العلمانية؛ تبغض حتى دين الحق -الإسلام-، وذلك حين حصروا الدين داخل الكنائس والمعابد؛ وتركوا العلمانيين يشرِّعون للناس أحكام تعاملاتهم؛ التي تغطي الجزء الأكبر من حياتهم، بل تمادوا أكثر فهاجموا الفِطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها؛ وذلك بإقرار البابا فرانسيس الشذوذ -يوم ١٩ ديسمبر عام ٢٠٢٣ من الميلاد- حيث وجه الكهنة بمباركة زواج المثليين في الكنائس الكاثوليكية !!
ونتيجة لذلك فإن الأحبار والرهبان والعلمانيين اقتسموا عبودية شعوبهم لهم؛ حيث أخذ الأحبار والرهبان النصيب الأصغر من هذه العبودية؛ وتركوا النصيب الأكبر لسادة وكبراء الأحزاب السياسية -في كل زمان ومكان؛ ما عدا دُور العبادة- فضلوا جميعا وأضلوا !!
الصورة الثانية من صور العبودية للبشر:
الأسياد والكبراء -الضالون المُضِلون- في الأحزاب السياسية:
يرجع السادة والكبراء في الحِزبَين -الجمهوري والديموقراطي في أمريكا- في الديانة غالبا إلى اليهودية والنصرانية، وهم كالأحبار والرهبان؛ متمردون على الله العظيم؛ وشرعه القويم !!
غير أن للحِزبَين سياستهما وآراؤهما التي يُنظِّرها السادة والكبراء في كل حزب، وهي بطبيعة الحال تختلف عن تحريفات وتنظيرات الأحبار والرهبان، لكنها أشد خطورة؛ وأوسع مساحة في حياة الناس !!
فبينما اتفق الحزبان على أغلب التشريعات -التي صبغت حياة المجتمع بالانحلال والحرية البهيمية-؛ كما اتفقا على دعم الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة؛ نجدهما في الوقت نفسه تركا بعض القضايا للاختلاف حولها في سباق الرئاسة المسعور -يُلهون بها شعوبهم- تطرحه وسائل الإعلام المؤيدة لهذا الحزب أو ذاك -كقضايا الإجهاض، والاقتصاد، والشذوذ، وغيرها-؛ وهي قضايا قد قضى الله فيها بحكمه؛ ولا معقِّب لحكمه !!
إن هذا الإلهاء للشعوب بالحملات الانتخابية التي لا تنتهي -كالانتخابات الرئاسية، وانتخابات حكام الولايات، وانتخابات أعضاء مجلسي الكونجرس؛ في واشنطن العاصمة؛ وفي الولايات، وهكذا دواليك- والبث الإعلامي المثير المصاحب لهذه الحملات؛ إن هذا الإلهاء قد عمِل على إشغال الناس عن التفكير في المخرج من الانهيار القيمي المتسارع؛ وأنه لا يكون إلا بالاستسلام لخالقهم العظيم؛ ومنهجه القويم !!
ولن يعذر الشعوب التابعة والخانعة لسياسات الحِزبَين أمام الله؛ كونهم لم يشرّعوا هذه القوانين الباطلة، كما لن ينفعهم أن يقولوا يوم القيامة: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: ٦٧] .. إلا أن يتوبوا !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي هدانا الله فيه إلى طاعته؛ وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..