الحلقة الثانية والستون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١] !!
كتبت -ولله الحمد والمنة- عشرات المقالات عن الفساد الذي جرته الحضارات المادية على البشرية في البرّ (اليابسة) .. لكن الآية الكريمة -التي هي موضع التأمل في هذا المقال-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}؛ أشارت كذلك إلى الفساد -الذي يجره المتمردون على الله تعالى؛ وعلى منهجه القويم- بسفنهم في البحر !!
بداية لا ننكر أن الكُتّاب من أبناء الحضارة المادية كتبوا عن أنواع من الجرائم المرتكبة على ظهر السفن في البحار والمحيطات .. لكن العجيب أن هؤلاء الكُتّاب لم يتعرضوا لأعظم فساد في البحر؛ وهو ما سأبينه لاحقا !!
دعونا نبدأ أولا بالاقتباس من بحث بعنوان: (Crimes at sea: Exploring the nexus of maritime crimes across global EEZs) .. تعرض كُتّاب البحث لبعض الجرائم المرتكبة في البحر، من ذلك:
أولا: القرصنة والسطو المسلح:
“من الواضح أن اختلاف وتنوع هجمات القرصنة قد يتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل؛ التي تتراوح بين الفساد والفقر” !!
ثانيا: الاتجار بالمخدرات والبشر:
“تشمل أكثر المخدرات التي يتم الاتجار بها: الكوكايين والأفيون .. وعادة ما يكون ضحايا الاتجار بالبشر مهاجرين من البلدان الفقيرة؛ يبحثون عن عمل وحياة أفضل” !!
أمّا الفساد البحري الأعظم؛ الذي لا يتعرض له كُتّاب الحضارة المادية فإنه يكمن في:
إبحار المئات من القطع البحرية الحربية؛ من السفن والغواصات -التابعة لدول الحضارة المادية؛ سواء الغربية منها أو الشرقية- تجوب بحار العالم ومحيطاته .. وحيث أن هذه السفن والغواصات تتبع دولا لا تستسلم لله تعالى؛ ولا لمنهجه القويم؛ فإن مخاطرها على البشرية كثيرة؛ ومفاسدها عظيمة؛ أذكر بعضا منها، فأقول وبالله التوفيق:
أولا:
انتشار هذه القطع البحرية الكثيرة في البحار والمحيطات؛ يهدف إلى فرض الهيمنة والسيطرة؛ واستعمار الدول الضعيفة؛ ونهب ثرواتها، وهو عين ما حصل خلال الحربين العالميتين وما بعدها -اتفاقية سايكس بيكو عام ١٩١٦ من الميلاد أوضح مثال على ذلك- .. وكان للعمليات البحرية دور كبير في الحربين العالميتين .. فقد نقلت السفن البحرية الأمريكية لوحدها قرابة مليوني جندي إلى فرنسا في الحرب العالمية الأولى .. وفي الفترة الحالية؛ يتنبأ بعض المحللين -بسبب التوتر الحاصل في أكثر من بؤرة في العالم- بمخاطر اندلاع حرب عالمية ثالثة !!
ثانيا:
الانحياز الكامل إلى الكيان الصهيوني المحتل في العدوان على المسلمين في فلسطين المحتلة .. وقد شاهد الجميع القطع البحرية -حاملات الطائرات وغيرها من السفن الحربية- التي جاءت من أكثر من دولة غربية؛ وانتشرت في البحر المتوسط وغيره؛ وكانت هذه السفن تستهدف غزة بصواريخها المدمرة !!
ثالثا:
لا يشك مسلم أن نشر الديمقراطية في العالم -والذي يعني: رفع راية الحرية البهيمية؛ والشذوذ والعلاقات المحرمة؛ وغيرها من الموبقات- أقول لا يشك مسلم أن نشر ذلك أحد أهم أهداف الدول التي تتبع لها هذه القطع البحرية الحربية !!
لكن ممّا يتجاهله أرباب الحضارات المادية -الذين يملكون هذه السفن والغواصات الحربية- أن البحر خلق من خلق الله؛ وهو سبحانه وكيل عليه؛ يفعل به ما يشاء، قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: ٦٢]، وقد فلق سبحانه البحر لموسى عليه السلام !!
وحين يقدِّر الله؛ وتتعرض هذه السفن الحربية التابعة لدول الحضارات المادية إلى أحوال جوية سيئة للغاية؛ ويُسيِّرُهُم سبحانه في البحر في موج كالجبال؛ نجدهم يسألون الله أن ينجيهم، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: ٦٧] .. وهذا حال المشركين على الدوام؛ يخلصون الدعاء لله وحده في الشدة؛ ويشركون معه غيره في حال الرخاء؛ حيث يعودون لباطلهم واستكبارهم وتمردهم على الله تعالى، فتأتي الآية التي تليها لتنذرهم بأن الله تعالى قادر على أن يعذبهم في البر، قال تعالى: {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا} [الإسراء: ٦٨] !!
ثم تأتي الآية الكريمة التي تلت الآيتين الكريمتين لتبين أن الله قادر على أن يطالهم عذابه في البحر حين يعودون إليه تارة أخرى، قال تعالى: {أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: ٦٩] .. فأين المفر ؟!!
ولا أظنه يخفى على القارئ الحصيف خطر الأعاصير التي تدمر المدن .. كما حصل قبل أيام من ضرب إعصار (بيريل)(Beryl) لمدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية؛ وأصابها بدمار كبير .. فالله تعالى إذا قدّر للسفن أن يضربها إعصار فسيكون الدمار كبيرًا؛ مهما حاولت السفن الابتعاد عن عين الإعصار؛ وهي مناورة بحرية يتدرب عليها البحارة؛ للابتعاد بالسفينة عن عين الإعصار المدمرة !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أنبأنا سبحانه فيه بما سيظهر من فساد في البر والبحر؛ بسبب المعاصي التي يقترفها البشر !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..