التأمل المفيد (٣٨٠)

الحلقة الحادية والستون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} [هود: ٨٩] !!

من أخطر وأفدح الشرور التي مرت على البشرية؛ ما طرحه المتفلسفون من أرباب الحضارات المادية من تنظير يمس الدين أسموه: “حرية الاعتقاد” .. زاعمين أن للناس أن يعبدوا في هذه الدنيا ما يشاؤون من إله، أو حتى آلهة -وقد تلقف هذه الفِرية الجهال والبلهاء من الناس في كثير من دول العالم-، وكان من أشهر هؤلاء الكذبة المنظرون لحرية الاعتقاد -في هذا العصر- الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون، والفيلسوف الفرنسي فولتير، وغيرهم كثير !!

وقد زخِر كتاب الله بالآيات التي تدحض فِرية حرية الاعتقاد؛ والتي تُبين أن الله لا يقبل من الناس دينا سوى الإسلام، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: ٨٥] !!

ومن المدهش أن دحْض هذه الفِرية -حرية الاعتقاد- قد جاء ضمنا في معنى الآية التي هي موضع التأمل في هذا المقال -{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ}- بأسلوب رباني بديع؛ حين بينت الآية: أنه حتى في حال وجود عداوة وخصومة بين فئتين -مسلمة وكافرة- فإنه ليس للفئة الكافرة أن تتمرد على الله؛ وتكفر به؛ عنادا للفئة المسلمة -مبغضين دين الله لبغضهم للفئة المسلمة- فيستحقوا بذلك عذاب الله لكفرهم .. وإنما كان ينبغي عليهم الاستسلام لله بالرغم من عداوتهم للفئة المسلمة !!

غير أن فِرية حرية الاعتقاد تعظُم؛ حين يتجرأ بعض المسلمين على تفسير كلام الله بجهل وبدون علم؛ زاعمين أن الإسلام يُقِرّ بحرية الاعتقاد؛ مستشهدين بقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: ٦]؛ وقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] !!

وقد فات هؤلاء أن سورة الكافرون قد نزلت للبراءة من الشرك وأهله؛ وليس لتُقِرّ حرية العقيدة؛ أو تُقِرّ غير المسلمين على دينهم، بل على العكس تماما، فقد جاء في تفسير البغوي: “(لكم دينكم) الشرك، (ولي دين) الإسلام”، وبذلك يتجلى لكل أحد أن الدين عند الله تعالى هو الإسلام، وما عداه كفر وشرك !!

وأمّا قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}؛ فقد جاء في سياق التهديد والوعيد والعذاب الشديد لمن اختار الشرك والكفر على الإيمان، قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} !!

ولا شك أن المسلمين يدركون أن الأرض لن تخلو من أناس يدينون بغير الإسلام، لكنهم يعلمون أنهم على باطل؛ وأن الإسلام لا يُقِرّهم على باطلهم؛ وينذرهم بعذاب أليم في الدنيا والآخرة .. وقد دأب علماء المسلمين على مر تاريخ الإسلام؛ على بيان ضلال وكفر النِّحل والمِلل الضالة !!

وبعد بيان بعض ما جاء في كتاب الله من دحض لهذا الفكر المنحرف -حرية الاعتقاد- أبين كذلك أعظم مأرب وهدف خبيث من وراء نشر هذا الفكر الباطل، فأقول وبالله التوفيق:

قال الله تعالى: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤] !!

من أخبث مآرب رافعي راية حرية الاعتقاد -خاصة في هذا العصر- إقناع الناس: أنه لن يستتب الأمن في المجتمع إلا بجمع أصحاب الديانات المختلفة على منهج واحد يسيّر نظام حياتهم، ويزعمون أن ذلك لا يتأتى إلا بنبذ شريعة الله؛ وترك الناس أحرارا في عقائدهم وعباداتهم؛ في معابدهم ومساجدهم .. ومن ثم ينقاد الناس لمنهج حياة شرّعه البشر -سِمته الحرية البهيمية للأفراد؛ والإباحية الجنسية- مستسلمين طائعين له؛ متخذين مشرّعي هذا المنهج أربابا من دون الله، وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} !!

وكما بين القرآن شرك من اتخذ من دون الله أربابا يشرّعون لهم؛ كذلك بينت السنة ذلك، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: “أتيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليبٌ من ذَهبٍ. فقالَ: (يا عديُّ اطرح عنْكَ هذا الوثَنَ). وسمعتُهُ يقرأُ في سورةِ براءةٌ {اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قالَ: (أما إنَّهم لم يَكونوا يعبدونَهم ولَكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لَهم شيئًا استحلُّوهُ وإذا حرَّموا عليْهم شيئًا حرَّموه) [حسنه الألباني في صحيح الترمذي (٣٠٩٥)] !!

ويتضح من قوله تعالى: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}؛ أن التشريع للناس من دون الله أمر قديم في أمم أهل الكتاب .. وهو قائم في هذا العصر بما يسمى بالديمقراطية؛ التي استعبدت الناس بالقوانين الوضعية؛ والتي لا حرية للشعوب في عصيانها، أمّا خالقهم؛ فإن للناس الحرية الكاملة -زعموا- بعبادته كيف شاؤوا؛ حتى لو كان ذلك بعبادة الصليب؛ أو عبادة البقر !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..