الحلقة الستون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: ١٤٥] !!
الذي دعاني للتأمل في هذه الآية الكريمة؛ هو ما وقع يوم السبت الماضي من هذا الشهر؛ في ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية؛ من تشريع قانون -صادق عليه ووقعه حاكم الولاية الجمهوري: (JEFF LANDRY)- يقضي بعرض الوصايا العشر -الموجودة في التوراة؛ والتي تؤمِن بها كلتا الطائفتين اليهودية والنصرانية- على لوحات في الفصول الدراسية في مؤسساتها التعليمية الحكومية -والتعليم الحكومي هو الأغلب في أمريكا- بدءا من سن الروضة وحتى المستوى الجامعي، وأن تُكتب بخط واضح وكبير؛ يقرؤها الطلبة والطالبات !!
وقد رأيت أن أقف مع هذا الحدث وقفات، فأقول وبالله التوفيق:
الوقفة الأولى:
الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}؛ تدل دلالة واضحة على أن موسى عليه السلام قد جاء بالدين الحق -الذي ارتضاه الله تعالى للبشرية في تلك الحقبة- وقد شمل قبل تحريفه من قِبل اليهود؛ على كل ما كانوا يحتاجون إليه من الأحكام؛ والمواعظ للازدجار والاعتبار؛ والتفصيل لتكاليف الحلال والحرام والأمر والنهي؛ والقصص والعقائد والأخبار والمغيبات؛ كما قال أهل التفسير !!
وإذا أدركنا ما كانت عليه شريعة موسى عليه السلام من شمولية؛ فإن عرض الوصايا العشر هو اختزال وتحجيم لدين موسى وعيسى عليهما السلام، وهو من باب أولى اختزال وتحجيم للدين الحق -دين الإسلام- الذي جاء به خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم؛ والذي نسخ جميع الشرائع السابقة !!
الوقفة الثانية:
إن عرض هذه الوصايا من قِبل الساسة في ولاية لويزيانا ليوحي بشدة وعمق أزمة القيم والأخلاق التي يعانون منها؛ خاصة مع انتشار الجريمة لديهم بأرقام فلكية؛ وتفكك الأسرة؛ وتبني الفاحشة والشذوذ الجنسي .. وكأنهم -بعرض هذه الوصايا- يبحثون عن حل لهذه البلايا والجرائم والموبقات .. ولن يجدوا حلا إلا بالاستسلام لله العلي العظيم؛ واتباع منهجه القويم !!
الوقفة الثالثة:
الفرحة العظيمة في نفس كل مسلم؛ حين يرى الفرق بين دين الإسلام العظيم -الذي ينعم فيه بشريعة ربانية شاملة؛ اعتنت بشؤون حياته كلها؛ ويطبقها في واقع الحال- وبين أمريكا التي تحاول فيه ولاية واحدة -ولاية لويزيانا- من بين خمسين ولاية؛ أن يقرأ الطلبة والطالبات في مؤسساتها التعليمية الحكومية الوصايا العشر -قراءة فقط- وليس لها رصيد عملي في واقع الناس !!
الوقفة الرابعة:
بسبب جهل عموم اليهود والنصارى بحقيقة الدين وأهميته للناس -حيث أن جُلّ دينهم طقوس تعبدية محرّفة- فقد رفضت المنظمات الديمقراطية وغيرها هذا التشريع؛ الذي صدر في ولاية لويزيانا؛ وتوعدوا برفع قضايا في المحاكم ضده، وفي هذا دلالة على مناهضة الأغلبية هناك تجاه أي تحرك نحو الدين -حتى لو كان دينا محرفا- يراد به تنظيم حياة الناس .. فكيف عساها تكون مناهضتهم لدين الإسلام لو طُرِح للنقاش ؟!
الوقفة الخامسة:
على المسلمين الاستفادة من هذا الحدث؛ للحديث مع اليهود والنصارى: بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، قال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠]، فنقول لهم:
مِن المنطق الصحيح؛ أنه حتى تقوم القيامة؛ لابد من ختم الرسالات، قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين) [متفق عليه]، وإلا لو استمر إرسال الرسل؛ فمتى تقوم الساعة ؟!
وكذلك نقول لهم: وأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الخاتمة التي ارتضاها الله للبشرية حتى قيام الساعة .. ولتقريب ذلك: ألسنا نكسو أولادنا أثوابا تناسب أعمارهم .. وكلما كبروا قليلا أبدلنا لهم الثوب بأكبر منه .. ثم ما يلبث أن يكبر الشاب الصغير حتى يبلغ سنا لا يحتاج بعده إلى مقاس أكبر من الثياب ؟! ولله المثل الأعلى: قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨]، وكذلك هي البشرية، أرسل الله تعالى لهم رسلا بشرائع تناسب أزمانهم -نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وغيرهم كثير- حتى جاء الزمان الذي أنزل الله تعالى فيه كتابه الأخير على قلب خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم- ليكون رسولا للبشرية كلها؛ ولتكون رسالته صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان !!
الوقفة السادسة:
على المسلمين الاستفادة من هذا الحدث ببيان محاسن الإسلام -وهي كثيرة ولله الحمد والمنة- ولو تُترجم آيات الوصايا العشر -التي جاءت في سورة الأنعام- وتُعرض على غير المسلمين لكان حسنا، قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: ١٥١]، والآيتين اللتين بعدها !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي ختم الله تعالى به الرسالات؛ ناسخا به جميع الشرائع السابقة !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..