الحلقة التاسعة والخمسون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: ١٨]، قال أهل التفسير: “يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، خافوا الله، واحذروا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه، ولتتدبر كل نفس ما قدمت من الأعمال ليوم القيامة، وخافوا الله في كل ما تأتون وما تَذَرون، إن الله سبحانه خبير بما تعملون، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وهو مجازيكم عليها” !!
حمدا لله تعالى على جميع أفضاله ونِعمه، إذ لا يوجد خير إلا وقد دلنا عليه .. من ذلك التقييم المستمر للأعمال الموصلة إلى الجنة؛ والمنجية من النار -{وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}-، وأن يكون دافع هذا التقييم المستمر تقوى الله تعالى؛ حيث جاء ذكرها في نفس الآية الكريمة مرتين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: ١٨] !!
وإذا كان الناس يعيرون تقييمهم المستمر لأدائهم الوظيفي قدْرا واهتماما كبيرا؛ حتى لا يدركهم سن التقاعد إلا وهم على قدْر من الطمأنينة؛ فيما يحتاجونه من دخل طيب -بعد توفيق الله تعالى- يعينهم على متطلبات الحياة المعيشية فيما تبقى لهم من العمر .. فإن النُقلة إلى الدار الآخرة -التي لا تتقيد بعمر أو حال أحد؛ صغيرا كان أم كبيرا؛ صحيحا كان أم سقيما؛ غنيا كان أم فقيرا- والتي هي نُقلة إلى الحياة الحقيقية الأبدية، قال تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: ٢٤]، أقول النُقلة إلى الدار الآخرة أولى بإدامة النظر في التقييم المستمر للأعمال التي تؤهل المسلم إلى دخول جنات النعيم، قال تعالى: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} !!
وقد تعددت -في القرآن الكريم- صور التقييم المستمر لأعمال المسلم في هذه الدنيا، فبالإضافة إلى آية التأمل في هذا المقال -التي كان التوجيه فيها للتقييم المستمر مباشرا- عرض لنا القرآن الكريم التقييم المستمر بطريقة غير مباشرة، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه} [فاطر: ٣٢}؛ علّ المسلم الظالم لنفسه -بسبب ارتكابه للمعاصي- أن يتوق إلى المراتب الأعلى التي بينتها الآية الكريمة -كالمقتصد-؛ وأفضل من ذلك: أن يرقى المسلم بعمله ليكون من السابقين بالخيرات بإذن الله تعالى !!
والمدهش في كتاب ربنا تعالى أنه لم يدلنا على أهمية التقييم المستمر لما نقدمه من أعمال صالحة لآخرتنا وحسب -{وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}- بل دلنا كذلك على أمهات من شُعب الإيمان العظيمة؛ التي تبعث وتعين المسلم على الرقي بباقي أعماله الصالحة إلى المستوى الذي يرضي الله تعالى .. وسأقتصر في هذا المقال على شعبتين فقط، فأقول وبالله التوفيق:
جاء في كتاب الله تعالى -في آيتين متتاليتين- الأمر بالاهتمام بشعبتين إيمانيتين عظيمتين من شُعب الإيمان:
الأولى: الإقبال على كتاب الله تعالى !!
الثانية: الصحبة الصالحة !!
قال تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا • وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف : ٢٧-٢٨] !!
ولأهمية هاتين الشعبتين الإيمانيتين العظيمتين -الإقبال على كتاب الله تعالى، والصحبة الصالحة- فقد جاء التأكيد عليهما في مَعرِض الحديث عن الندم والخسارة عند تركهما، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا • يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا • لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا • وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان : ٢٧-٣٠] !!
وفي السنة المطهرة؛ جمع صلى الله عليه وسلم بين هاتين الشعبتين الإيمانيتين العظيمتين -الإقبال على كتاب الله تعالى، والصحبة الصالحة- في حديث واحد، قال صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ) [رواه مسلم (٢٦٩٩)]، ومن أحسن صحبة من أهل القرآن الكريم ؟!!
ولو تتبعنا آيات الكتاب العزيز لوجدنا العناية بهاتين الشعبتين الإيمانيتين العظيمتين -الإقبال على كتاب الله تعالى، والصحبة الصالحة- تتكرر بأساليب مدهشة ومؤثرة !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان لنا الله تعالى فيه أهمية التقييم المستمر لما يقدمه المسلم من أعمال صالحة لآخرته !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..