التأمل المفيد (٣٧٥)

الحلقة السادسة والخمسون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!

قال الله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: ١٤]، قال أهل التفسير: “فأخلصوا- أيها المؤمنون- لله وحده العبادة والدعاء، وخالفوا المشركين في مسلكهم، ولو أغضبهم ذلك، فلا تبالوا بهم” !!

سؤال يطرح نفسه:

بينت الآية الكريمة كره الكفار للإسلام: {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} .. فما الذي يكرهونه في الإسلام ؟

الجواب: أمّا من وجهة نظر الكافرين: فإن من أكذب وأخبث ما ينشره إعلام الحضارات المادية -لتبغيض شعوبهم في الإسلام- هو زعمهم أن الإسلام قد مضت عليه قرون كثيرة؛ وأنه لم يعد صالحا لحياة الناس .. وهذا الافتراء الخبيث يفوق مكرا ما يبثه إعلامهم -بين فترة وأخرى- من إلصاق العنف بالإسلام، حيث باتت هذه التهمة مردودة عليهم؛ لتاريخهم الدموي الطويل؛ وكذلك لحرب الإبادة الجماعية في غزة؛ بما يؤكد تأصل العنف والإرهاب في ثقافتهم البربرية !!

وأقول ردا على ادعائهم بأن الإسلام غير صالح لهذا العصر: كلا وحاشا .. فأرباب الحضارة المادية هم أعلم الناس بأن الإسلام فيه الحلول لجميع مشكلاتهم المتفاقمة؛ من عنف، وفقر، وجهل بحقوق الله وحقوق العباد، ولذا بين الله تعالى في كتابه الكريم يأْس الكفار -بسبب إدراكهم لكمال الإسلام وتمامه- من أن يرتد المسلمون عنه، قال تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣] !!

وأمّا الجواب الرباني للسؤال المطروح فهو:

يكره الكفار في الإسلام: إخلاص المسلمين الدين لله تعالى -بعبادته وحده سبحانه؛ والانقياد لأوامره؛ واجتناب نواهيه-، قال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، فهم بذلك يكرهون دين الإسلام كله؛ بسماحته وخيريته؛ وليس لغلو حفنة -ضالة باغية؛ لم تلتزم بتوجيهات ديننا الحنيف- أو لغير ذلك من التهم والافتراءات التي ينشرونها !!

وحتى تتمسك الأمة بخيريتها، قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣]؛ فقد سن لها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أن تردد دبر كل صلاة: (لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ) [رواه مسلم (٥٩٤)] .. يا لله .. إنه ترديد للآية الكريمة: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}؛ بكلمات المصطفى صلى الله عليه وسلم .. وهذا حرص منه عليه السلام على تذكير المسلم -دبر كل صلاة- بضرورة التمسك بهذا الدين السمْح؛ وألا يتنازل عن قيمه ومبادئه، وعلى تذكيره كذلك بكراهة الكفار للإسلام؛ فلا يبالي بهم !!

وسؤال آخر يطرح نفسه:

ما أسباب هذه الكراهية المتجذرة في نفوس الكفار؛ لدين سمْح؛ يدعو الناس لإخلاص العبادة لله؛ والانقياد لأوامره واجتناب نواهيه ؟

الجواب: هناك عدة أسباب وراء هذه الكراهية؛ فيما يلي ذكر اثنين منها:

أولا: الخوف من ظهور الإسلام وعلوه في الأرض:

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: ٩]، قال أهل التفسير: “الله هو الذي أرسل رسوله محمدًا بالقرآن ودين الإسلام؛ ليعليه على كل الأديان المخالفة له، ولو كره المشركون ذلك” !!

ثانيا: ثلاث لوثات فكرية باطلة؛ ترتبط جميعها برفض الحضارات المادية للإسلام؛ زاعمين أنه يعيق تقدمهم المادي، وهو عين ما قاله أسلافهم من الكفار:

اللوثة الأولى: أن التمسك بالدين يعني الكساد الاقتصادي:

قال تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: ٨٧]، قال أهل التفسير: “قالوا: يا شعيب أهذه الصلاة التي تداوم عليها تأمرك بأن نترك ما يعبده آباؤنا من الأصنام والأوثان، أو أن نمتنع عن التصرف في كسب أموالنا بما نستطيع من احتيال ومكر؟” !!

اللوثة الثانية: أن التمسك بالدين يعني الانهزام أمام الأعداء، وكأن الدين يحثهم على عدم اتخاذ الأسباب، وكأن الله لم يعِد بنصرهم إن هم آمنوا:

قال تعالى: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: ٥٧] !!

اللوثة الثالثة: وهي أخطر اللوثات: يزعمون -بالرغم من كفرهم- أن ما هم فيه من قوة؛ وكثرة أموال وبنين؛ هو علامة رضا الله عنهم، قال تعالى: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبإ: ٣٥]، قال أهل التفسير: “وقالوا: نحن أكثر منكم أموالا وأولادًا، والله لم يعطنا هذه النعم إلا لرضاه عنا، وما نحن بمعذَّبين في الدنيا ولا في الآخرة” !!

هذا وإن من أعظم ما ينقض هذه اللوثات الفكرية الباطلة -العلاقة بين الدين الحق والتقدم المادي؛ لدى أرباب الحضارة المادية- هي الحضارة الإسلامية العظيمة التي أقامها هذا الدين السمْح، والتي سمع بها العالم أجمع؛ وقادتهم إلى فتوحات علمية مادية غير مسبوقة؛ اقتاتت عليها جميع الحضارات المادية في نهضتهم الحالية؛ غير السوية -لتمردهم على خالقهم- حيث انتكست فيها القيم الصحيحة -بالرغم من التقدم المادي- إلى مستوى هابط ومشين !!

فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان لنا الله فيه السبب الحقيقي وراء كراهة الكفار للإسلام !!

اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..