الحلقة الخامسة والخمسون من سلسلة: “سماحة الإسلام؛ دين الحنيفية” قال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالحنيفية السمحة) [السلسلة الصحيحة (٢٩٢٤)] !!
قال الله تعالى: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: ٦] !!
من أشد ما يُحيّر المسلم ويُحزِنه في نفس الوقت؛ ألا يتفاعل كثير من أبناء المسلمين إيجابا نحو نصرة دين الله تعالى، خاصة إذا أدركوا من كتاب ربهم شدة تشبت أرباب الباطل بباطلهم -حيث يَدعُون أتباعهم إلى الصبر على عبادة الأصنام؛ كما دلت على ذلك الآية الكريمة التي هي موضع التأمل في هذا المقال: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}، بل ويبذلون أقصى ما يملكون من جهود وإمكانات لنشر باطلهم؛ صداً عن سبيل الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: ٣٦]-، أعيد وأقول من أشد ما يُحزِن المسلم أن يرى هذه الأفعال من أهل الباطل؛ ثم يجد الكثير من أبناء المسلمين لا يُقدِّمون لنصرة الحق الذي معهم ولا معشار ما يقدمه أهل الباطل من بذل وجهد تجاه باطلهم ونشره والذود عنه !!
وقد أفاض القرآن الكريم في بيان الركائز التي استند عليها أهل الكفر للتشبت بباطلهم؛ حتى قالوا كما حكى لنا القرآن: {امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}، وهي ركائز عِدة؛ أقف وقفات مع بعضها، فأقول وبالله التوفيق:
الوقفة الأولى: قرارات مُسبقة؛ اتخذوها في عقولهم الخَرِبة:
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ: ٣١]، قال أهل التفسير: “وقال الذين كفروا: لن نصدِّق بهذا القرآن ولا بالذي تَقَدَّمَه من التوراة والإنجيل والزبور، فقد كذَّبوا بجميع كتب الله” .. هكذا .. قرار اتخذوه مُسبقا؛ بتكذيب كتب الله تعالى كلها؛ بدون أي محاولة لمعرفة أحق هي أم باطل .. وهو واقع أرباب الحضارات المادية اليوم، إذ لا يعرفون عن الإسلام الصحيح سوى اسمه، ومع ذلك فقد اتخذوا القرار المُسبق برفضه وحربه .. ومن الأمثلة الصارخة للقرارات المسبقة في ذهن كثير من اليهود والنصارى في عصرنا: مصطلح: “معاداة السامية” الذي يبررون به المجازر القائمة في غزة، وقد أضحى هذا المصطلح راية يلتف حولها أهل الشرك والكفر والضلال !!
الوقفة الثانية: ادعاؤهم كذبا بموافقة الله تعالى لهم على شركهم؛ تعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرا:
قال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨] .. وهي شبهة المشركين في كل عصر ومِصر .. فقد زاد النصارى على مقولة مشركي مكة؛ بتقولهم على الله تعالى: أنه أمرهم بعبادة عيسى بن مريم عليه السلام -تعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرا- حاثين أتباعهم على التشبت بهذا الباطل ونشره والذود عنه !!
الوقفة الثالثة: يُسِّرون ويخفون خططهم الإجرامية لنشر الباطل؛ ومن ثم يشرعون في تنفيذها على أرض الواقع بكل مكر ودهاء:
قال تعالى: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: ٣]، قال أهل التفسير: “بل إن الظالمين من قريش اجتمعوا على أمر خَفِيٍّ: وهو إشاعة ما يصدُّون به الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم من أنه بشر مثلهم، لا يختلف عنهم في شيء، وأن ما جاء به من القرآن سحر، فكيف تجيئون إليه وتتبعونه، وأنتم تبصرون أنه بشر مثلكم؟” .. ويتكرر التخطيط بسرية لنشر الباطل من قِبل المشركين في عصرنا، مع تسمية ذلك التخطيط: “الأمن القومي” .. ومن ثم يشرعون في تنفيذ هذه الخطط السرية؛ التي لمسنا جميعا آثارها الإجرامية .. من ذلك نشر الديمقراطية في العالم؛ وما هو إلا نشر للحرية البهيمية !!
الوقفة الرابعة: موالاة الكفار بعضهم البعض في نشر الباطل والصبر عليه:
قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: ٧٣] .. وهذا ما نراه واقعا ماثلا أمامنا؛ من موالاة بين اليهود والنصارى .. فالنصراني -زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون (Mike Johnson)- يبرر للدعم الأمريكي لدولة الاحتلال -اليهودية- ضد المسلمين في فلسطين بأنه واجب ديني مقدس !!
لكن يبقى أن أقول: إن تشبت أهل الباطل بباطلهم؛ ونشره في العالمين؛ سيختفي أثره ويضمحل أمام ما يقدمه أهل الإسلام -إذا صدقوا مع الله تعالى؛ ونصروا دينه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧]-، ذلك أن منهج الإسلام يتواءم مع الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، بل سيهزم أهل الحق أهل الباطل في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: ٣٦] !!
فالحمد لله الذي هدانا إلى الإسلام -دين الحنيفية السمحة-؛ الذي أبان لنا الله تعالى فيه شدة تمسك أهل الباطل بباطلهم؛ وصبرهم عليه؛ حتى نعتبر !!
اللهم حرر المسجد الأقصى؛ واحفظ المسلمين في فلسطين؛ وانصرهم على عدوك وعدوهم !!
اللهم ارزقنا التفكر في آياتك ..
نواصل الحديث -بعون الله وتوفيقه- في الحلقة القادمة ..
كتبه/ محب الخير لنفسه وللمسلمين والمسلمات .. فؤاد بن علي قاضي .. غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ..
انشر .. لعلنا ننتفع جميعا ونؤجر .. قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعله) ..
وللاطلاع على جميع المقالات اكتب في قوقل: مدونة فؤاد قاضي ..